وتبقى عقدة المثال وتأليه من لا يصلحون ليكونوا أشباه بشر هي عقدة الكمّ الأكبر
من مثقفي هذا الزمان ، ولا لوم عليهم في بعض الأحايين ؛ فلو قارنا اولئك ببعض النماذج المزرية التي نراها هنا وهناك لعذرنا من عاملهم ورفعهم فوق قدرهم وأعطاهم أكثر من حجومهم ، ولا أعني بالنماذج المزرية المدّعي أو ذاك المتطفـّل على الأدب وأهله ، بل أعني من هم في صميم الفكرة ، لكنهم إبتلوا بسقم أفكار ، وإنحطاط خلقي وعمالة شهد لها الأقربون والأبعدون ، ابتداء بقاسم امين ومن لفّ لفه ودار دوره ومرورا بكلّ دعاة التغريب ، وانتهاء بسعيد عقل وغيره ممن دعوا الى حرّية التعبير بل ودافعوا عنها بإستماتة إذا كانت موجـّهة ضد الدين والقيم والأخلاق ، وأنكروها في حالات أخرى إن كانت تمسّ أسيادهم وأرباب نعمتهم .
ولا أنسى المرحوم !! نجيب محفوظ عندما سألوه عن الآيات الشيطانيّة التي أقترفها سيء الذكر سلمان رشدي ؛ فما كان منه إلا أن تحدّث وتنطــّع ودافع متذرّعا بحرية التعبير ، وسبحان الله يشاء القدر أن يـُسأل بعد فترة قصيرة عن فلم (( الإغراء الأخير للمسيح)) إن لم تخني الذاكرة ، لتثور ثائرته ويهاجم وينتقد لأن الفلم جرح شعور كل من يدينون بالنصرانيّة ، ..!!
كثير من شعراء الأمس الغابر أوتوا ما لم يؤت أحد من البلاغة وقوة البيان وروعة الجنان ، وكثير من اولئك من أنكر البعث وجحد ولعن وأدخل شعبان في رمضان وجعلها عاليها سافلها ، ابتداء من الحلاج والخيام وانتهاء بالقائل :
حياة ثم موت وبعث ونشور .... حديث خرافة يا أم عمرو
ولا أدري إن كنت احفظ البيت كما قرأته ، وهو منسوب للمعرّي على كلّ حال ، ولا مجال هنا للكلام عن فصم الدين والأخلاق والقيم بل والإيمان عن ذلك الشخص الذي نقرأ له ونتخذه مثلا أعلى ، بل ومرجع لا ياتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ، ,,,, قرأت قبل مدة عن لقاء مع أديب عربي ما نجله ونحترمه (( حتى وقتها بالنسبة لي على الأقل)) ، سأله المحاور ماذا يفعل في وقت فراغه ، فأجاب :
أجلس أقرأ وأتعبّد في رسالة الغفران للمعرّي ..!!!!!!!!!!!
ماضي أجدادنا نعتز به ، ولا نبخسه حقه لكن بقدر ، ونأخذ بالإعتبار الضوابط بمجملها ، وما خرج عن الضوابط فلا إعتزاز ولا قداسة ، والعبقريّة الفذة هنا لا تعني بالضرورة أن نجل صاحبها وأقواله ، ونغض الطرف عن ما اقترفت يداه من سوء أفعاله ..
المفضلات