أيُّ ذكرى تَنْداحُ في الأكوانِ = وتَهادى على مُتونِ الزّمانِ
حَمَلَتْها السُّنونُ منْ سِدْرَةِ الخُلْدِ = وطافَتْ بها على الآذانِ
ردَّدَتْها النّجومُ في هَدْأَةِ الليلِ = وباحَتْ بها الطُّيوفُ الرَّواني
وشَدَتْها الطيورُ في سَكْرَةِ الفَجْرِ = نشيداً مُضَمَّخَ الألْحانِ
فَتَمَشَّتْ في خافِقي دَفْقَةُ الإلْـ=ـهامِ مَشْيَ النّسيمِ في الشُّطْآنِ
وتَهادَتْ على لِسانِيَ شِعْراً = عَبْقرِيَّ الرُّؤى ، لذيذَ البَيانِ
يَتَجلّى رُواءُ أحرُفِهِ الغُرِّ = ضِياءً ينثالُ بينَ المَعاني
إنّها هِجْرةُ الرسولِ.. فكِيدي = لَهُ ما اسْطَعْتِ يا قُوى الطّغْيانِ
أَجْمِعي جَمْعَكِ الغَريرَ وأغْفي = خَلْفَ بابِ الرسولِ بِضْعَ ثَواني
أرسِلي خلفَهُ "سُراقَةَ كسرى" = يتثنّى بِحُلْمِهِ الفَتّانِ
واقْتفي إثْرَهُ لِكُلِّ طريقٍ = غَيْرَ دَرْبِ الهُدى ودرْبِ الأمانِ
فهْوَ في الغارِ يحتويهِ برِفْقٍ = مطمَئنٌّ بأعيُنِ الرحمنِ
إنّها هجرةُ الرسولِ.. فهذي = طَيْبَةُ النّورِ تزدهي بالمَعاني
"طَلَعَ البَدْرُ" ردَّدَتْها الأهازيجُ = نِداءً يفيضُ بالتّحْنانِ
"وَجَبَ الشُّكْرُ " فالحَناجِرُ محرابُ = صَلاةٍ عُلْويَّةِ الإيمانِ
يا رُبى طَيبَةٍ.. أفيضي منَ الحمْدِ = وتيهي بأصْدقِ العِرْفانِ
هوَ ذا أحمَدٌ يُؤاخي قلوباً = فَجَّرَ اللهُ نَبْعَها الإنساني
فإذا الخَزْرَجُ الجَريحةُ تأسو = عِلَّةَ الأوْسِ .. والهُدى ربّاني
يَبْعَثُ اللهُ في النفوسِ صَفاءً = فإذا الرّوحُ زقْزقاتُ أغاني
إنها هجرةُ الرسولِ.. فخِرّي = يا جِباهَ الأصنامِ والأوثانِ
هذهِ بَدْرُ.. أزهَقَ الحقُّ فيها = ما انطوى في القلوبِ منْ بُطْلانِ
وهَوى البَغْيُ دونَها، وعَلا الحقُّ = عَزيزَ الحِمى، شهِيَّ المَغاني
إنّهُ "الفَتْحُ".. فالضّلالُ سَرابٌ = يتَلاشى كمَوْجَةٍ من دُخانِ
يا نِداءَ الخلودِ في ملعَبِ الدَّهْرِ = وترْجيعَةَ الجِهادِ الباني
يا نشيدَ الزّمانِ، هل نامتِ الصَّحـ =ـراءُ عنهُ، أمْ أسْكَرَتْها الأماني؟
أينَ منكِ الفتوحُ في الشّرقِ والغرْ = بِ نَشاوى، وأينَ منكِ التَّفاني؟
حدِّثينا عنِ الشّعوبِ اللّواتي = دثَّرَتْها الأيّامُ بالأكْفانِ
حدِّثينا فقد يُفيدُ حديثٌ = ذهَبِيٌّ ، يُصاغُ مثلَ الجُمانِ
كيفَ مالَتْ بالواهِنينَ المقاديرُ = وقد أطرَقوا على الخُذْلانِ
وتَوالى عليهمُ عَنَتُ الدّهْرِ = وألْقى بهمْ إلى النسْيانِ
كيفَ يُجْنى الخلودُ والمجدُ بالسَّيْفِ = ويُسقى العَلاءُ بالعُنْفُوانِ
كيفَ تفْنى جَحافِلُ البَغْيِ في الأر = ضِ ، فَناءَ الهشيمِ في النيرانِ
وتَلاشى سَحائبُ الظُّلْمِ والجَوْرِ = تَلاشي الضَّلالِ في الإيمانِ
حدِّثينا.. فقد تَفَتَّحَتِ الأبْـ = ـصارُ للنورِ.. للضُّحى النَّشْوانِ
وابعثي الحبَّ والعَزائمَ فينا = والبطولاتِ.. صوتُها ربّاني
يا ابنةَ الخلْدِ.. لا يَرُعْكِ حديثٌ = واجِمُ اللّحْنِ.. فائضُ الأشْجانِ
ربَّ لحْنٍ يصوغُهُ الحزْنُ أجْدى = في ابْتِعاثِ النفوسِ منْ سُلطانِ
المفضلات