قصة قصيرة
المكالمة
محمد المهدي السقال
توقف سعادة الوزير لحظة , قبل استلام سماعة الهاتف من خادمه " مسعود " , كم ظل يُمنِّي نفسه بتكرار مثل هذه المكالمات , يجده متهيِّبا للردّ كطفل صغير ينعقد لسانه أمام زوجة أبيه ,
حاول افتعال اللامبالاة , لكن قسمات وجهه تخونه , يداري تردُّده بتصحيح وضع رابطة العنق , لعله مختنق فعلا :
- التلفون أ مولاي
و التفتَ إلى النافذة المحكمة الإغلاق , رأى قطراتٍ متكوِّمةً في الجنبات من ضغط الحرارة في الداخل ,
لم ينتظر الإذنَ له بالانصراف , ليستدير منسحباً إلى البهو المفضي لشرفة القصر , تاركا خلفه سيده في انتظار ذوبان خيال المقاتة كما كان يناديه في مثل هذه الحالات ,
لو كان حرا لا تفصله عن سعادة الوزير غير هذه الأبهة الزائفة , لكان قد مازحه فيما هو فيه من صَغَار ,
وقع نظره على يدي السيد الوزير قبل انسحابه , و هو يمسك السماعة باليمنى , بينما كانت يسراه تكبس على أنفاس جهة الصوت, نفسُ المنادي الذي ترتعد له فرائص سيده ,
في البداية اشتكى " مسعود " من زعيق المنادي الذي كاد أن يثقب له طبلة أذنه , فما كان إلا أن نهره وعيَّرهُ بكل كنايات اللقطاء ,
منذ ذلك اليوم , وهو يستحمل طلب سيده بتلك اللغة البذيئة الصارخة, من يكون مصدر المكالمة ؟
يبدو هذه المرة أن القضية حامضة , سمَّاهُ مناديه بالحمار , حافياً هكذا من غير اسم ولا لقب , كان يسمع بالوزراء الحمير , لكنه لم يسمع بالحمير الوزراء ,
ومسعود في مثل هذه الحالات , يشعُّ منه الحقد الصامت على سعادة الوزير , لكنه لا يجرؤ على الاستغراق في التَّشفِّي به ,
من يدري ؟
لعل زفرة من صدره المحتقن بالذلِّ , تصعد منطوقة في حالة سهو , فتذهب بكل أحلامه في الاستمرار بهذه الوظيفة ,
بعد عطالة ثلاث سنوات , تسكَّع خلالها ضمن المجازين المعطَّلين بين شوارع العاصمة , يصبح الإنسان مُطالباً بأن تهون عليه نفسه , قالتها حبيبته قبل الانفصال المحتوم , وأكَّدتها سياسة العصا الغليظة بتواطؤ مع إخوان الأمس ,
لم يردَّه إلى وعيه , غير صراخ السيد الوزير آمرا بتحريك السيارة الرسمية ,
تركه يستعدُّ للمواجهة , سيرتدي أجمل اللباس وسيتعطر , وقبل الخروج هذه المرة , لن ينبِّهني إلى شيء بخصوص الليلة , منذ أسبوع , والليالي الحمراء زاهية بدبيب الملائكة من حسان الغيد دون العشرين ,
ولداه يدرسان في " كندا " , و زوجته الإيرانية سافرت إلى بلادها , سمعتُ من سائقها الخاص , وهو رجل ثقة إلا مع النساء , أنها ذهبت لحضور مهرجان الاحتفالات بتدشين الطاقة النووية , كم كرهها " مسعود " من أول يوم حطَّ رحاله بهذا السجن الفسيح , لم يسمعها مرة واحدة تنطق كلمة بالفصحى أو الدارجة من العربية , ورغم أن علاقته هو الآخر مع العرب لم تكن يوما على ما يرام , إلا أنه كان يشفق من حال الخدم دونه , حين ينتصبون كالصَّواري أمامها في انتظار ترجمة مطالبها ,
رحمة الله على الجامعة , لولا إجازة " مسعود " في الإنجليزية الأمريكية , لما كان قد مضى عليه هنا أكثر من ساعة , حلم بالفوز في القرعة السنوية للهجرة إلى بلاد العم سام , وفي نفسه كره دفين لرؤسائها من الجمهوريين و الديمقراطيين , كان يدعو على أمريكا في العلن بالخراب , بينما تجده في خلواته يدعو لها بطول العمر , مر به سعادة الوزير متعجِّلا خطوه لمفارقة البهو , تاركاً خلفه صورة باهتة بألوان العطر المستورد , وكثيرا من الصور الكاريكاتورية لما سيكون عليه بعد تلك المكالمة .
***********************
محمد المهدي السقال
المغرب
المفضلات