آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: المكالمة

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية محمد المهدي السقال
    تاريخ التسجيل
    12/10/2006
    العمر
    71
    المشاركات
    385
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي المكالمة


    قصة قصيرة

    المكالمة

    محمد المهدي السقال

    توقف سعادة الوزير لحظة , قبل استلام سماعة الهاتف من خادمه " مسعود " , كم ظل يُمنِّي نفسه بتكرار مثل هذه المكالمات , يجده متهيِّبا للردّ كطفل صغير ينعقد لسانه أمام زوجة أبيه ,
    حاول افتعال اللامبالاة , لكن قسمات وجهه تخونه , يداري تردُّده بتصحيح وضع رابطة العنق , لعله مختنق فعلا :
    - التلفون أ مولاي
    و التفتَ إلى النافذة المحكمة الإغلاق , رأى قطراتٍ متكوِّمةً في الجنبات من ضغط الحرارة في الداخل ,
    لم ينتظر الإذنَ له بالانصراف , ليستدير منسحباً إلى البهو المفضي لشرفة القصر , تاركا خلفه سيده في انتظار ذوبان خيال المقاتة كما كان يناديه في مثل هذه الحالات ,
    لو كان حرا لا تفصله عن سعادة الوزير غير هذه الأبهة الزائفة , لكان قد مازحه فيما هو فيه من صَغَار ,
    وقع نظره على يدي السيد الوزير قبل انسحابه , و هو يمسك السماعة باليمنى , بينما كانت يسراه تكبس على أنفاس جهة الصوت, نفسُ المنادي الذي ترتعد له فرائص سيده ,
    في البداية اشتكى " مسعود " من زعيق المنادي الذي كاد أن يثقب له طبلة أذنه , فما كان إلا أن نهره وعيَّرهُ بكل كنايات اللقطاء ,
    منذ ذلك اليوم , وهو يستحمل طلب سيده بتلك اللغة البذيئة الصارخة, من يكون مصدر المكالمة ؟
    يبدو هذه المرة أن القضية حامضة , سمَّاهُ مناديه بالحمار , حافياً هكذا من غير اسم ولا لقب , كان يسمع بالوزراء الحمير , لكنه لم يسمع بالحمير الوزراء ,
    ومسعود في مثل هذه الحالات , يشعُّ منه الحقد الصامت على سعادة الوزير , لكنه لا يجرؤ على الاستغراق في التَّشفِّي به ,
    من يدري ؟
    لعل زفرة من صدره المحتقن بالذلِّ , تصعد منطوقة في حالة سهو , فتذهب بكل أحلامه في الاستمرار بهذه الوظيفة ,
    بعد عطالة ثلاث سنوات , تسكَّع خلالها ضمن المجازين المعطَّلين بين شوارع العاصمة , يصبح الإنسان مُطالباً بأن تهون عليه نفسه , قالتها حبيبته قبل الانفصال المحتوم , وأكَّدتها سياسة العصا الغليظة بتواطؤ مع إخوان الأمس ,
    لم يردَّه إلى وعيه , غير صراخ السيد الوزير آمرا بتحريك السيارة الرسمية ,
    تركه يستعدُّ للمواجهة , سيرتدي أجمل اللباس وسيتعطر , وقبل الخروج هذه المرة , لن ينبِّهني إلى شيء بخصوص الليلة , منذ أسبوع , والليالي الحمراء زاهية بدبيب الملائكة من حسان الغيد دون العشرين ,
    ولداه يدرسان في " كندا " , و زوجته الإيرانية سافرت إلى بلادها , سمعتُ من سائقها الخاص , وهو رجل ثقة إلا مع النساء , أنها ذهبت لحضور مهرجان الاحتفالات بتدشين الطاقة النووية , كم كرهها " مسعود " من أول يوم حطَّ رحاله بهذا السجن الفسيح , لم يسمعها مرة واحدة تنطق كلمة بالفصحى أو الدارجة من العربية , ورغم أن علاقته هو الآخر مع العرب لم تكن يوما على ما يرام , إلا أنه كان يشفق من حال الخدم دونه , حين ينتصبون كالصَّواري أمامها في انتظار ترجمة مطالبها ,
    رحمة الله على الجامعة , لولا إجازة " مسعود " في الإنجليزية الأمريكية , لما كان قد مضى عليه هنا أكثر من ساعة , حلم بالفوز في القرعة السنوية للهجرة إلى بلاد العم سام , وفي نفسه كره دفين لرؤسائها من الجمهوريين و الديمقراطيين , كان يدعو على أمريكا في العلن بالخراب , بينما تجده في خلواته يدعو لها بطول العمر , مر به سعادة الوزير متعجِّلا خطوه لمفارقة البهو , تاركاً خلفه صورة باهتة بألوان العطر المستورد , وكثيرا من الصور الكاريكاتورية لما سيكون عليه بعد تلك المكالمة .
    ***********************
    محمد المهدي السقال
    المغرب

    عــاشــق الـغـجـريـة

  2. #2
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    بفنية و حذقة إبداعية متمرسة، يحافظ الكاتب المبدع محمد المهدي السقال على اللغز الكامن خلف المكالمة، و إلى آخر سطر، بل إلى آخر كلمة في النص.
    و هذا يستفز في القارئ السؤال عن مضمون هذه المكالمة التي هزت الشخصية الرئيس في النص.
    في النص، و الذي هو قصة قصيرة، تحضر شخصيتين، استطاع الكاتب بتمكن من إبرازها في نص قصير، بحيث نستطيع القول أن داخل النص نصان متوازيان ، بل متقاطعان، أو الأصح متداخلان، بمعنى أننا يمكننا أن نفرد للشخصية الأولى ( الوزير) نصا ، و للخادم (حامل الشهادة الجامعية) نصا آخر.
    مزيدا من الإبداع أخي محمد.
    مودتي


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية محمد المهدي السقال
    تاريخ التسجيل
    12/10/2006
    العمر
    71
    المشاركات
    385
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي أنـيـسـي فـي مـتـاهة السـرد بحـثـا عـن ومـيـض عبد الحميد الغرباوي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الحميد مشاهدة المشاركة
    بفنية و حذقة إبداعية متمرسة، يحافظ الكاتب المبدع محمد المهدي السقال على اللغز الكامن خلف المكالمة، و إلى آخر سطر، بل إلى آخر كلمة في النص.
    و هذا يستفز في القارئ السؤال عن مضمون هذه المكالمة التي هزت الشخصية الرئيس في النص.
    في النص، و الذي هو قصة قصيرة، تحضر شخصيتين، استطاع الكاتب بتمكن من إبرازها في نص قصير، بحيث نستطيع القول أن داخل النص نصان متوازيان ، بل متقاطعان، أو الأصح متداخلان، بمعنى أننا يمكننا أن نفرد للشخصية الأولى ( الوزير) نصا ، و للخادم (حامل الشهادة الجامعية) نصا آخر.
    مزيدا من الإبداع أخي محمد.
    مودتي


    **

    أنـيـسـي فـي مـتـاهة السـرد بحـثـا عـن ومـيـض

    الأستاذ والصديق
    عبد الحميد الغرباوي

    حين أفـاتـح من حولي في موضوع تحدي إكراهات الموت الإبداعي ,

    تحضرني باستمرار أسطورة سيـزيـف ,

    هل أقول لك ,

    بأنك تمثل عندي ذلك الظل الهارب إلى الأمام ,

    لعلنا وردنا من نفس الماء حين كان صافيا ,

    لعلنا حملنا من سيزيف بذرة الإرادة ,

    هكذا أحدث نفسي كلما لاح وميض من رماد الذاكرة

    فهل ستعذر هذياني ,

    أخي عبد الحميد

    محمد المهدي السقال

    عــاشــق الـغـجـريـة

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •