آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: سقوط الجدران- قصة

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية خالد السروجي
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    59
    المشاركات
    63
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي سقوط الجدران- قصة

    سقوط الجدران


    يهبط المساء سريعاً فى الشتاء . جال هذا الخاطر برأسه وهو يرى عباءة الليل تفترش الشوارع . كانت الساعة لم تتعد السادسة ، إلا بدقائق قليلة . يوم طويل من العمل المضنى قد اعتاده ، ففى الحياة لابد أن تتعب لكى تأكل لقمة نظيفة ، وتطعم أيضاً الأفواه التى تنتظرك . رفع " جاكت " البدلة المهترئ الذى يضعه فوق القفطان ، ليغطى له رأسه من قطرات المطر . ومن بعيد لاحت أضواء خافته من العشش المتراصة والتى كثيراً خيل إليه أنه لا يمنعها من التداعى سوى التصاقها ، واستناد إحداها على الأخرى. وعندما يقترب أكثر تلوح له عشته فيميزها بوضوح . ينتبه إلى أنه جائع ويرتسم فى مخيلته طبق الفول الساخن الذى تعده المرأة ، فيكاد يشم رائحته . يتضاعف إحساسه بالجوع ، فتتسع خطواته ويتسارع إيقاعها . سيدخل متجهماً كالعادة ، وترد المرأة على التحية بلا حماس .
    - العشاء يا " ولية "
    فى صمت تعد المرأة العشاء ، طبق الفول الساخن ، والجبنة "القريش" . لا يتكلم معه أحد حتى ينتهى العشاء ، وإلا ناله من الضرب والشتم ما هو فى غنى عنه . الجميع يعلم أنه بعد العشاء ، يهدأ ويصفو ، خاصة بعد أن يأخذ " الكيف " . وعندما حاولت المرأة يوماً أن تقول أن " العيال " أحق بفلوس الكيف . نالت علقة لم تنلها فى حياتها ، ولم يخلصها سوى الجيران فى العش الملاصقة . يومها قال وهو لا يزال ممسكاً بها والجيران يحاولون تخليصها :
    - حرمت من كل متع الحياة ولم تعد لى بهجة سوى " هذا "، وبنت الكلب تريد أن تحرمنى منها .
    وفى الأيام التى لم يستطع فيها الحصول على الكيف ، كان يتحول إلى وحش شرس ، يضرب لأتفه الأسباب ، ساعتها قالت لنفسها سأشترى له الكيف بنفسى ، حتى ولو يأكل " العيال " .
    - الشاى يا " ولية "
    فى صمت تشعل الموقد بينما هو يلف سيجارة حتى يعتدل مزاجه بعد يوم من العمل المضنى ، والإهانات التى يبتلعها من أجل لقمة العيش من أول النهار لآخره ، ثم ينساها مع أنفاس الكيف ، ليستطيع أن يتحمل من جديد . يرتشف الشاى مع الأنفاس ، وقد بدأت نفسه تصفو ، ويلاحظ " العيال " وقد بدأ النوم يغزو عيونهم ، فتترنح نظراتهم كأنها سكرى . تنام " سامية " و " سكينة " على الكنبة المواجهة للسرير ، بينما ينام " محمد " الرضيع على حرف السرير الملاصق للحائط . تبدأ البهجة تغزو نفسه فيحاول مداعبة الرضيع ، ولكن "محمد" الصغير لا يستجيب وقد أحكم النوم سيطرته على وعيه ، فيتركه وينتبه إلى الحوار الدائر فى العشة المجاورة . هم جميعاً فى العشش الملاصقة ، يسمعون ما يدور عند بعضهم ، فلا يوجد سر ، لم يعودوا يتحرجون وهم يعملون أن آذان الآخرين تعيش معهم . المرأة فى العشة المجاورة للسرير دائماً تثير الشجار ، ولكنه يعلم ما الذى يجعلها تهدأ . تقول امرأته وهى تتابع الشجار الدائر بأذن مدربة :
    - هى هكذا كل يوم .
    ثم تصعد بجانبه على السرير وهى تمسك بجلاليب البنات القديمة ، تجتهد فى ترقيعها بينما هو يقترب من إنهاء سيجارته الملفوفة الثانية . فكرت فى أن تبدأ معه حديثاً ولكنها تراجعت وآثرت الصمت. وعندما لاحظا الصمت فى العشة الملاصقة للسرير ، تبادلا النظرات ، ثم أصغيا السمع . بعد فترة قصيرة اخترقت مسامعهما ضحكات ماجنة ، فتبادلا النظرات وغرقا فى الضحك . قال لها وهو لا يزال غارقاً فى الضحك ، وقد أصبح مزاجه أكثر إشراقاً :
    - إما هذا وإما لا تكف عن الشجار .
    وواصل الإصغاء إلى التأوهات والفحيح ، والضحكات الماجنة، وهو يجتهد فى إرهاف السمع ، حتى شعر بأنه بجانبهما على الفراش . ثم ببطء بدأ شىء فى داخله يتحرك ، فخرج صوته متهدجاً :
    - " أم محمد "
    فهمت المرأة صوته ، فقالت بصوت خفيض :
    - اعقل يا رجل . " العيال " لم يناموا تماماً .
    لم يأبه بكلامها ، وجذبها بعنف ، ثم طوقها بذراعيه ، بينما هى تحاول التملص . أحكم ذراعيه حول جسدها والتصق بها ، فقالت وهى تحاول إبعاده :
    - فلنطفئ النور أولاً .
    عندما أطفأت النور لم تكن العشة معتمة تماماً ، فقد كان الضوء يخترقها . خلعت ملابسها بسرعة ، وفعل هو مثلها . كان بصرها يجول فى العشة ، بينما هو جاثم فوقها . تريد أن ينتهى سريعاً . متعبة ولكن لا بأس من الانتظار .
    عاد بصرها يجول فى أرجاء العشة ثم توقف بصرها عند الكنبة المواجهة للسرير ، على أربعة عيون تلمع فى الظلام


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية اشرف الخريبي
    تاريخ التسجيل
    27/10/2006
    المشاركات
    220
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    سقوط الجدران
    نص مميز لكاتب مميز خالد العزيز
    تحيتى لجدرانك التى بقت ولم تسقط بعد ولشخصياتك المرسومة بعناية
    محبتى
    اشرف الخريبي


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية خالد السروجي
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    59
    المشاركات
    63
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    العزيز المبدع اشرف الخريبي
    شكرا لحسن تقديرك للنص
    خالد


  4. #4
    عـضــو الصورة الرمزية جبير المليحان
    تاريخ التسجيل
    10/11/2006
    المشاركات
    11
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي تحية

    ( وهم يعملون أن آذان الآخرين تعيش معهم ) : فقر مشترك ، وآذان معا . حياة معا . لقطات مكثفة تختزل حياة حي بدون جدران إلا ما يتفق عليه . تحية أخي خالد لقصتك الجميلة
    .


  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية خالد السروجي
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    59
    المشاركات
    63
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    العزيز جبير المليحان
    شكرا لهذه المتابعة الجيدة والقراءة الواعية
    محبتي لك
    خالد السروجي


  6. #6
    أستاذ
    تاريخ التسجيل
    25/11/2006
    المشاركات
    143
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    ومن يدري ؟
    ربما كان في سقوط الجدران حياة للحواس !
    أستاذي خالد حفظه الله
    السلام عليكم وبعد :
    فلقد امتعت ونفعت ..
    تقبل تقديري واحترامي ..


  7. #7
    كاتبة
    تاريخ التسجيل
    01/12/2006
    العمر
    67
    المشاركات
    1,363
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    توقف بصرها عند الكنبة المواجهة للسرير ، على أربعة عيون تلمع فى الظلام
    لا حول ولا قوة إلا بالله
    اللهم استرنا دنيا ودين وجنبنا فاحش الفعل والقول امام ابناؤنا .
    سقوط الجدران عنوان إتضحت معانيه في نهاية السرد
    شكرا لقيم السرد والمعاني
    تقديري أخي الفاضل ـ خالد السروجي


  8. #8
    عـضــو الصورة الرمزية خالد السروجي
    تاريخ التسجيل
    02/12/2006
    العمر
    59
    المشاركات
    63
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الصديقة عبلة محمد زقزوق
    قراءة متمعنة كشفت عن جوهر النص
    شكرا
    خالد


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •