آخر الفتاوي
سوق الفتاوي الدينية بلغ حدا من الابتذال وتمييع الحدود حتي انه يكاد يشبه ما كانت عليه أوضاع سوق الراي عندنا أيام احتدام المنافسة بين الراحل حسني ومنافسه نصرو ومن لف لفهما، فالفتوي التي كنا غالبا نري أنها لا تصدر الا لغاية في نفس الحاكم العربي وكنا نسميها بالفتوي السياسية المأجورة يبدو أنها تجاوزها الزمن منذ فتحت الأبواب علي مصراعيها لنوع آخر من الفتاوي هي اجتماعية في الغالب، فمن اباحة زواج المسلمة من كل من هب ودب علي مذهب الترابي الي فتوي ارضاع الكبير الي غيرها من الفتاوي التي تفصل علي الهوي، قبل أن يطلق المرجع الشيعي الأكبر في لبنان فتواه.
الشيخ حسين فضل الله أفتي بجواز أن ترد الزوجة أي اعتداء علي زوجها، و نسي أو تناسي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لو كنت آمرا أحدا بالسجود لغير الله لأمرت المرأة بالسجود لزوجها ومفتي لبنان يريد من خلال العصف بقوامة الرجل أن يمكن المرأة من رد الصفعة لزوجها صفعتين وبذلك ينقل الحرب السياسية المحتدمة بين فرقاء لبنان الي داخل البيوت والاسر، واذا صح هذا وباتت المرأة اللبنانية تصفع زوجها علي مذهب فضل الله وتمادت في ضربه بما لا يخالف شرع الله فان كل زعيم لبناني سيكون حريصا علي المحافظة علي شرفه ومتأهبا علي الدوام لرد عدوان أم عياله وهذا ما يجعله يستبعد التفكير في حرب أهلية كحرب 1975، وهكذا فإن استبعاد حرب أهلية في الشوارع لا يمنع من حدوثها داخل البيوت بل داخل غرف النوم بين المرء وزوجه.
ان علماء الأمة من كل المذاهب بعد رضوخهم لارادة القوي الكبري المعادية للأمة، لم يعد لهم من دور يحفظ لهم تلك المكانة بين الناس لأنه لم يعد بامكانهم الافتاء بما يرضي الله، بل بما تهوي أنفس الحكام فان ابتعدوا ولو قليلا عن الفتوي السياسية وجدوا أنفسهم يطلقون فتاوي مبتذلة يكون المسلم في أغني ما يكون عنها. متي نسمع فتاوي لتحرير القدس وتحرير بغداد وأخري تحث مسلمي الخليج ليتصدقوا علي اخوانهم في كثير من البلدان الفقيرة؟ متي نسمع فتوي تستند للكتاب والسنة تلزم الحاكم بأن يخشي الله ويتقيه في رعيته؟..
هذا النوع من الفتاوي التي لا تخرج عن دائرة كلمة الحق عند سلطان جائر ونحوها من الدرر النفسية التي تصلح للدنيا والدين ويزخر بها الاسلام ويعيها ويعرفها العلماء علم اليقين هي أحوج ما يعوزنا، وهي ما ننتظر أولئك الأوصياء علي الدين أن يخرجوه الي العلن ويحثوا الناس علي الأخذ به والعمل به حتي يصلح حال دنياهم، واذا حسن حال الدنيا حسن حال الآخرة.
ان الاسلام أكبر من كونه يجعل البيت حلبة ملاكمة بين الزوجين لأنه اختزل شروط الوئام بين الزوجين في عبرة المودة والرحمة وهو ليس مجرد آلية بحث في الغرائز ولا هو مجموعة وثائق ونظريات للاحتراب، انه دين متكامل، انه ارادة الله تبارك وتعالي التي هي العروة الوثقي والمنهاج القويم للدنيا والآخرة.
رد مع اقتباس
المفضلات