هل القضاء في بلادنا بخير؟!

القضاء مؤسسة عدل وإنصاف تقوم على الحق و تحكم بالعدل و هي تعتمد على إظهار الحقيقة واضحة و تترك كل شبهة أو شك.
وإن خطأ القاضي ضياع للعدالة و انتصار للظلم، و القاضي إنسان قد يصيب تارة و يخطئ تارة أخرى ، و لكن خطأ القاضي قد يؤدي إلى نتائج خطيرة يصعب تداركها.
ووظيفة القاضي من أسمى الوظائف، تحاط بالهيبة و تقرن بالإجلال ،و إن جميع الشرائع السماوية منها و الوضعية تتوخى أن يكون القاضي : مستقلا مثقفا أمينا متينا حياديا عادلاً ورصينا ،و هي متطلبات تقتضي سعة الصدر و حسن الفهم و الشدة حين تكون ضرورية ،و الرحمة حيث تستدعي ذلك الظروف ،و ألا يستوحي حكمه إلا من ضميره و قناعته الوجدانية المجردة .

تاريخ القضاء...
كانت الشرائع كافة تشدد عقوبة القضاة الذين يحيدون عن جادة الصواب بعد أن تضمن لهم استقلاليتهم لكي لا يأخذهم في الحق لومة لائم ،فمثلا و منذ آلاف السنين كان فرعون مصر يطلب إلى القضاة قبل تسلمهم لزمام القضاء أن يقسموا أمامه يميناً ( بعدم إطاعة أوامره لو أنه طلب منهم هو نفسه ما خالف العدالة ).
كما نصت المادة الخامسة من تشريع حمورابي على أنه:( إذا أصدر القاضي حكمه وثبته بوثيقة رسمية ثم رغب في نقضه فعلى المدعي أن يثبت ذلك، و إذا صحت دعوى المدعي فعلى القاضي أن يدفع المبلغ مكرراً اثني عشرة مرة ،و يحرم من الجلوس ثانية في مجلس القضاء أو يلتقي مع القضاة في محكمة .)
(كتاب حمورابي البابلي للكاتب هورست كلينكل ).
أما بالنسبة للعرب قبل الإسلام فقد عرف عنهم عنايتهم بالقضاء، و من أئمتهم في ميدان القضاء قبل الإسلام صاحب القاعدة القانونية الشهيرة حتى الآن قس بن ساعدة الايادي القائلة بأن:( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) ،إضافة إلى كل من أمية بن أبي الصلت، وزهير بن أبي سلمى و هاشم بن عبد مناف و ابنه عبد الله، و أبي طالب بن عبد المطلب و أبي بكر الذي عهد إليه أمر الحكم في الأشناق و هي الديات و المغانم .
وبعد مجيء النبي محمد (ص)عزز القضاء، وحصنته الشريعة الإسلامية السمحة، فأضحى مقنعاً عادلاً، فركز الإسلام على شخصية القاضي، و منحه الكثير من الثقة بالنفس، وقد ورد على لسان رسول الله (ص) مخاطبا القاضي: ( إنك إن اجتهدت فأصبت فلك أجران و إن أخطأت فلك أجر واحد ) .
وقال: ( العدل أساس الملك ) كما أن الله خاطب القضاة بكتابه الكريم: ( و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) آية 85 من سورة النساء
وفي عهد الخلفاء الراشدين كان الخلفاء يجلسون للقضاء بأنفسهم في عاصمة الدولة الإسلامية، أو يعهدون إلى أفضل الناس فهماً و عفةً و ثقافةً و استقلالاً و أمانةً و تمكناً و عدلاً في باقي الولايات التابعة لهم ،و لقد كان الخليفة عمر بن الخطاب أول من عين قضاة للفصل في المنازعات بين الناس مستقلين عن الأمراء و هذا ما ذكره ابن خلدون في مقدمته الشهيرة.

قضاءنا اليوم!!!
أما اليوم فإن أدراج المؤسسة القضائية في أغلب الدول تعج بألوف الدعاوى التي لاتسير بانتظام، ولا بالسرعة المطلوبة ،ولا بتطبيق نصوص القوانين، الأمر الذي يشعر معه المتقاضون بالأسى لحالهم، و أنه لاجدوى من مؤسسة القضاء إذا بقيت على هذه الحال ،سيما وأنه قد تطول مواعيد الجلسات بسبب الامهالات ،إلى أن ينطق القاضي بالحكم بعد نفاذ صبر العدالة، والتأخر في الوصول إلى اقتضاء الحق في الدعوى، ولا يستبعد أن يتابع ورثة المتقاضين دعاوى مورثيهم بسبب إطالة أمد التقاضي في بعض الدعاوى ، خاصةً و أن آلية الرقابة والجزاء على سلوك القضاة غائبة عن الواقع تقريباً،فالمواطن لايجرؤ على تقديم شكوى على قاض معين تجاوز في حكمه أو تصرفه ،وذلك خوفاً على دعواه من تصرفات القاضي الناظر فيها.
وإن الأزمة التي تعانيها العدالة في بلادنا ليست في القوانين بشكل مطلق ولكن المشكلة في التطبيق العملي لهذه القوانين ، وهذا مرده بشكل أو بآخر لتكوين القضاة ومدى تمتعهم بالقيم و القواعد الخلقية التي تتطلبها وظيفتهم.
ولا علاج لكل هذا إلا بالتزام القضاة بقواعد الأخلاقيات و الآداب القضائية التي تنص عليها الشرائع السماوية و القوانين الوضعية، ويفرضها واجب تحقيق المحاكمة العادلة للمواطنين، والتي تلخص أسسها بالحفاظ على ضمانات استقلالية القضاء ومراعاة قواعد الإنصاف والعدالة بحزم ،والسرعة المعقولة في فصل الدعوى واحترام حقوق الدفاع .
وقديماً قال الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون:
( من الأفضل أن يكون للشعب قضاة جيدون و قوانين سيئة من أن يكون له قضاة فاسدون و قوانين جيدة) .
و لنتذكر دائماً أن لفساد القضاء في كل حين الدور البارز في تردي الدولة أو انهيارها.


المحامية:عائشة محمد حامد
aeishahamed@gmail.com