[RIGHT]
الفصل الأول
[ /RIGHT]
تأملات في اللغة ،الدين، التاريخ ،السياسة والبيئة .
حِذق لغة أمِي.. وصِدق النبي الأمِي.
1- مقدمة:
2- الإهداء
محتويات الكتاب:
1- في اللغة:
أ : اللغة العربية كانت وما تزال أم اللغات.
- من يطورالآخراللغة أم الإنسان؟
- اللغة العربية في خدمة حفيداتها..
- هي البحر في أحشائه الدر كامن..
ب: لا خصوصية ثقافية في ظل تبعية لغوية.
- إذا كنت أنت تبني وغيرك يهدم..
- لغة الإدارة والاقتصاد والديبلوماسية.
- اللغة فكرأم وسيلة؟
2 - في الدين:
ج- علمانيوالعولمة والإعجاز القرآني.
- الله جل وعلا..
- وترى الجبال تحسبها جامدة..
- صنع الله الذي أتقن كل شيء..
- وأنزلنا الحديد..
- وما أنتم له بخازنين..
- كأنما يصعد في السماء..
- التوسع المستمر..
- هل هناك سفينة بدون ربان؟
د - الإفتاء والاستفتاء في حضن المصالحة الوطنية:
- تقنية الاتصالات وقتل النفس..
- هل يتغيرالإنسان بيولوجيا أولا أم أيديولوجيا؟
- هل الإسلام من غيرالشريعة يعني شيئا؟
3 ـ في التاريخ:
- الجزائريون هم أول من اكتشف قارة أمريكا
- الحضارة الفرنسية أمام محكمة التاريخ
- معلومات تبحث عن مصادر:
- الأمير عبدالقادرفي البيرين
- إنشاء زاوية الهامل
- عرش المويعدات
- الشيخ العلامة المرحوم عبدالحفيظ القاسمي والتنكر لمآثره
4 ـ في السياسة:
- هل تخشى العصى القلم؟
- لبنان نصرالله والحرب.. وحيوانات عواصم العرب
- اهبطوا مصر فإن لكم فيها حسنا مباركا
- وما نصرالله إلا شيخا هاج من قمم
-5 في البيئة :
-كيف يمكنك أن تبدع ؟
-لماذا قصصا بيئوية ؟
-"جو..جل.." وهدهد سليمان .
-الزيتونة والنخلة .
- الإنسان والطبيعة
-الزلزال يحرض البحر .
-الظلم الذي أنطق الشمكة .
- أحمدالعابث بالنار
- من عدو الغابة الأول
- الضحية والمحلل النفساني .
- من مستصغر الشجر.
-الحار..لتحرير لسطين .
- تحرير حرائر الجزائر.
-دورة ب 180 درجة .
-مهرك أنت ..حار.
- قميرة خفية .
-الأستاذ والرصاص .
- الإهداء:
إلى أرواح شهداء الجزائر الأبراروشهداء الأمتين العربية والإسلامية عبر مناكب الكرة الأرضية ..
أولئك الذين آثروا تحريرالأوطان على مباهج الدنيا وزخرفها.. وإلى كل يتيم مضطهد.. وإلى كل من يؤمن بجدوى الكلمة الطيبة وأثرها في نفوس النشأ..
وإلى روحي أبي وأمي:" بن سالم الشهيد.. وخيرة بوزيد.. " اللذين علماني معاني الصبروالاجتهاد وفوائدهما.. والعمل والمثابرة ونتائجهما.. رحمهم الله جميعا وطيب ثراهم.. وإلى ابني الوحيد:
"رؤوف "الذي أمدني بكل الجهد والعون.... وإلى بناتي الثلاث: وداد ، فريدة ، خيرة وإلى أمهم:" الزهراء بالرجم " التي كانت نعم الأم لأبنائها.. ومثلا في التضحية والإيثار.. وإلى أحفادي: قاوي " زكرياء " أحمد " بختة " وفؤاد " وإلى كل من شجع وآزروساعد في طبع هذا العمل المتواضع.. وكذا في نشره على أعمدة الصحف الوطنية.. أهديه ، راجيا من الله عز وجل أن يكون جهدنا جميعا في ميزان الحسنات آمين.
سيرة ذاتية مختصرة:
Cirucculum Vitae
boumidouna abdelkader
عبدالقادربوميدونة..
ابن شهيد..
من مواليد 1949
بالبيرين ولاية الجلفة ..
1- شهادة الأهلية..bs1. bs2. cap .1970 ..
بكالوريا 1980.
2- شهادة الليسانس في اللغة والأدب العربي 1984 م
3- 1994 المجستير..
4- ممارسة مهنة التربية والتعليم لفترة 15 سنة.بولايات: المدية ..الجلفة ..تيارت ..البويرة ..البليدة.
5- منشط ثقافي للتربية والتعليم بولاية تيارت 1972.1970 ..
6- نائب مفتش للتربية والتعليم ولاية البليدة .1978.1977
7- أحد مؤسسي جريدة " المساء " اليومية الجزائرية ..1985
8- رئاسة عدة أقسام..
9- رئيس قسم التصحيح بجريدة " الصباح " الأسبوعية .
10- رئيس تحريربجريدة " كواليس " الأسبوعية .
11- محاضرممثل لجريدة" المساء " ووسائل الإعلام الجزائرية بالألمانيتين الشرقية والغربية قبل توحيدهما ..
" غرين ووش "..برلين..شتوتجارت.. كولون..فرانكفورت 1989
12- 1978.1977 رئيس لجنة الثقافة والإعلام والتوجيه بقسمة جبهة التحريرالوطني..الصومعة ولاية البليدة.
13- مدقق لغوي بجريدة " الشعب " الجزائرية.
14-مكلف بالإعلام ..الجبهة الوطنية الجزائرية ..
15- مكلف بالدراسات ..المعهد الوطني للتكوينات البيئية..وزارة تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة .
16- خبيربيئوي محاضرفي مختلف ولايات الوطن..
17- عضوالجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب..معتمدة بالولايات المتحدة الأمريكية ..
18-نائب رئيس الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب..قطر.
19-عضوبمجلسها الاستشاري ..
20- مجموعة قصص ومسرحيات في المجال البيئي في انتظارالطبع.
21- أطرعدة دورات تكوينية كمكون وخبيرفي المجال البيئي عبرولايات الوطن.
22- نشرعدة أبحاث ودراسات بيئية مختلفة عبرالأنترنت...
23- سفيرالجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب .. بالجزائر..
24- مكرم من طرف الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب وعدة هيئات ومؤسسات وطنية ودولية.
25- عضوالمجلس الوطني للمنظمة الوطنية للدفاع عن السلم.
26- عشرة كتب في انتظارالطبع..في الفكرواللغة والدين والتاريخ والأنتربولوجيا.
بريد إلكتروني: abdraoufiat@yahoo.fr
هدرة بالدراهـم: 00213774171311 : téléphone
************************************************** *************************************
* اللغة العربية كانت وما تزال أم اللغات *
حضرت في سنة 1984 ملتقى تعليم العربية في الجامعات العربية الذي عقدت جلساته بفندق الأوراسي بالجزائر العاصمة وقد ضم نخبة كبيرة من الأساتذة البارزين المشتغلين بميدان اللغة وبحوث اللسانيات، ومن ضمن من حضروا هذا الملتقى وكانت مداخلاتهم ملفتة للأنظار أكثر من غيرهم الأستاذ الفيلسوف والمفكر المغربي المعروف عبد العزيز الحبابي،الذي جاء بنظرية جديدة في اللغة أبهرت الحاضرين من طلبة وأساتذة، وتتعلق نظريته التي لم أحتفظ من خطوطها العريضة إلا بتحديه الواضح من أن اللغة العربية هي أم اللغات، ومن ضمن أدلته المقدمة في إحدى الحلقات الدراسية فكرته التي تقول: أن أي لفظ في اللغة الفرنسية أو في زميلاتها المتفرعات عن اللاتينية مهما كانت فصيحة أو دارجة، إلا ووجدتها قد أخذت ثلاثة أحرف ـ كحد أقصى أو حرفا واحدا كحد أدنى ـ من نظيرتها اللغة العربية، فإن صادف ولم تجد ذلك واعتقدت أن الأمر فيه خلل أو إشكال، فعد إلى المترادفات سواء تلك المستعملة أوالمهملة، فسوف تعثرعلى مبتغاك وعلى ما يحيرك ويثير فضولك، وقد ضرب لذلك أمثلة لا تحصى ولا تعد، ولا بأس أن أقدم لمن يروقه الاستمتاع نموذجا بسيطا عما ذهب إليه فيلسوفنا المغربي،
أما إن شئتم المزيد فما عليكم إلا إجراء التجربة بأنفسكم ولسوف ترون العجب من أمرهذه اللغة، وإن كنتم في ريب مما أقول، فمن باستطاعته أن يخبرني عن السرالذي جعل كل كلمة باللغة الفرنسية تتضمن حرفا واحدا أو حرفين أو ثلاثة أحرف من العربية والعكس غير صحيح، بدليل أنك إن أجريت تلك العملية على اللغة العربية فلن تجد لها مثيلا في اللغة الفرنسية، وإليكم المثال( تلعب، تبلع تعلب تبعل) أو ( لعبة علبة بعلة عبلة).
من الأسماء: جريدة : journal يجمع بينهما حرفا الراء والجيم.حبر: encre يجمع بينهما حرف ( الراء) طاولة:
table( الطاء) محل:local (اللام) أذن oreille (الألف ) ذراع: bras(الراء) شارع: boulvard (الراء) سيارة: voiture (الراء) شعر: ) cheveux الشين) جدار: mur (الراء) شجر: arbre (الراء) بحر: mer (الراء) نور lumiere(الراء)أرض terre (الراء) وقد أخذت الإنجليزية هذا اللفظ بقضه وقضيضه earthe أي أرض مبنى ومعنى.وجه visage (الجيم) سماء ciel (السين )
من الأفعال: رجع: retourne (الراء) جرى: couru (الراء) تلا أو قرأ liser ( اللام أو الراء ) mangerلايوجد حرف مشترك ، يوجد في المرادف التهم (حرف الميم)... وما أخذته اللغة الفرنسية بمظهره وجوهره نورد عينة عن ذلك:طاولة: table سكر: sucre قهوة: café شاي : the أي شيء
حليب : lait حذفت ح لصعوبة النطق بها وعوضت الباء بالتاء. طبيب toubibe......
ومن أراد التسلية اللسانية واللعب اللغوي المفيد، فليجعل ذلك بينه وبين من يحب وسيلة للترجمة.. وفرصة لاكتشاف أسرار اللغة العربية ومدى قدرتها على المبارزة والمنازلة ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهوأحق بها.
- اللغة العربية بأحرف لاتينية ( ولا زيتونية )
اللغة: لسان ...... la langue أليست هذه لغة عربية كما ترون؟ the tongue ، البراري : les periris جمع بر ، وبرور فهي براري ، غراب : corbeau مبنى ومعنى، الأحرف الهجائية: ألف باء ، ألفباء alfab ،وليست أول حرف من الحروف الإغريقية )ألفا alfa ( نمرقة وسادة: c …oussin ... إضافة..c ، جمل : kamel chameau قطن : coton ، شكلا ومضمونا
الأنفلونزا: الأنف .... لو ...نزا.. أي الأنف إذا سال منه ماء أو دم أو أي سائل آخر وليس إنف الإوزة كما هو شائع ،...سوق : stooks..إضافة..t.. والسوق هو مخزن السلع والبضائع أو مكان جمعها وتكديسها
بوناتيرو، بالإسبانية : bonne terreبالفرنسية..أرض جميلة أي عند عودة العرب المسلمين من الأندلس إلى بلاد المغرب العربي مطرودين وجدوا أرضا جميلة فقالوا: ( بوناتيرو ) أي أرضا تشبه تلك التي طردوا منها.
- خلدونية......kalidounia - الأمير عمار: Miramar - العشابونlisbonne وهم أهل الأندلس الذين كانوا يرتحلون في كل اتجاه، بحثا عن حقول الأعشاب الوفيرة في شبه جزيرة أيبيريا ، فلقبوا ب" العشابين " فسمي الموقع الذي وصلوا إليه في أقاصي غرب تلك الجزيرة ( موقع العشابين) ثم أضحى بعد ذلك يطلق على عاصمة دولة البرتغال..
- صابرين:ceberia مجموعة من الدعاة المسلمين الأوائل الذين وصلوا إلى أقاصي )صيبيريا( أثناء رحلات المد الإسلامي الدعوي، فحاصرتهم الثلوج هناك وقد عانوا معاناة شديدة من جراء قسوة البرد، فصبروا وكانوا من الصابرين فلقبوا بالصابرين..
- وتأملوا اسم ذلك الممثل المعروف في المسلسلات الاجتماعية اللاتينية التي ماتزال تعرض على شاشاتنا والمعروف ب:
ali khandro : أي علي خان داره.. هذا هو اسمه الحقيقي.. ولسنا ندري لماذا ارتكب تلك الحماقة.. وأضحى الآن بطلا يستهوي المراهقات.
شأن البيت: champêtre
وتعني حارس " شأن البيت " وليس حقليا أو ريفيا أو قرويا، أي أن العرب أثناء انطلاقهم إلى ميدان الغزوات والحروب كانوا لا يتركون بيوتهم عرضة للاعتداءات والنهب والسرقة من قبل أعدائهم بل يعينون لشأن ذلك حارسا قويا، يتسم بالقدرة في الدفاع عن الحياض، فأطلقوا عليه اسم حارس " شأن البيت " ومع مرور الزمن وميلهم إلى الاقتصاد اللغوي في نطقهم للأسماء والأفعال، تحول اللفظ من " شأن البيت " إلى ( شانبيط ) فأخذته اللغة الفرنسية بقضه وقضيضه وصار اللفظ العربي فرنسيا على الرغم من إنفه.
أطاما :a ta main
هات ، مدني به إطاما حذاك ، أي ناولني ذاك الشيء، الذي هو في متناول يدك a ta main ، تأملوا كيف تحولت الألفاظ الفرنسية إلى عربية والألفاظ العربية إلى فرنسية...تلك نماذج وأمثلة صغناها ودوناها كمساهمة بسيطة في تنوير من يستحقون التنوير من أبنائنا.. ومحاولة متواضعة للدفاع عن اللغة العربية أم اللغات وما أكثر ماهو موجود من أمثالها، وتأملوا مليا في هذا الأمر الذي يبدوا بسيطا، ولكنه من ناحية الثقافة والشخصية الوطنية من الأهمية بمكان، إذ كيف يعقل أن ندع لغتنا العربية لغة القرآن تصبح مرتعا مستباحا لكل وافد دخيل دونما رادع أو مقاومة لغوية ويحق لنا أن نتساءل عمن تعود إليه مسؤولية ذلك؟
* من يطورالآخراللغة أم الإنسان ؟! *
- كل من يعتقد أن اللغة العربية لغة متخلفة، وأنه لم ولن يكون بإمكانها استيعاب مبتكرات العلوم الحديثة ومسايرة تطوراتها ومستحدثات العصرومبهراته التكنولوجية، وأنها قد تزدهر في قطرعربي ما، وتـنـدحـر في آخر، بحكم تلك السياسات العرجاء المتعلقة بمراحل تعريب مناهج التعليم وبرامجه، ومحاولات تعريب الجامعات الجزائرية والعربية بأسلوب التقطير، أن هذا الأمر لم يعد متحكما فيه الآن، وأن احتكار المعرفة قد أضحى في حكم الماضي الذي لن يعود.
لأن " قرينة " العالم وتقريب المسافات وإلغاء حدود المعرفة وإزالة ورقة التمسك باحتكار شؤون تطويراللغة العربية قد جعلها لغة مئات ملايين البشرعربا وغيرعرب، مسلمين وغيرمسلمين، فإن حاولت مثلا معرفة عدد الكلمات والمصطلحات الجديدة التي عرفت طريقها إلى الاستعمال المباشر ـ والتي ساهمت في انتشارها كثيرمن المؤسسات الغربية المتخصصة في مجال الدراسات اللغوية ليس بهدف تطوير العربية إنما لأسباب اقتصادية بحتةـ لرأيت أن ذلك قد صارمستحيلا، فليهنأ الجميع، وليتركوا اللغة العربية تشق طريقها إلى العولمة كبقية لغات العالم الأخرى حرة طليقة، فقد أضحت اللغة العربية شبيهة بالألحان الموسيقية فلا وطن لها ولاجنس، ألم يعد الإنسان الروسي والشيشاني والأمريكي والإفريقي والأسيوي متحكما في النطق بها؟! وقد ملك أحدهم حتى ناصيتها وصارأفصح من أبي الأسود الدؤلي؟!!
هل بقي الآن بعد الطفرة المعلوماتية التي اكتسحت العالم من أقصاه إلى أقصاه مجال واحد لم تستطع اللغة العربية ولوجه والتعبيرعنه؟!
- ها هي تدق أبواب مختلف مناحي الحياة، العلمية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، وذلك على الرغم من تقاعس الباحثين في مختلف المجامع اللغوية واللسانية المنتشرة عبرعواصم العالم العربي، والتي لم ترقَ بعد إلى المستوى المأمول منها، حتى إلى طبع أقراص مضغوطة لتضمنها ما وصلت إليه جهودها وجهود غيرها في ميدان ترجمة العلوم وتعريبها.
لقد دخلت اللغة العربية بجهود محبيها المحدودي الإمكانات إلى عالم الحاسوب وفضاء الاتصالات، هكذا دونما رصد مبالغ ضخمة لتعميمها ونشرها، فالمعارف كل المعارف قد انفتحت حنفياتها وتدفقت وشكلت جداول وأنهارا من الأفكاروالمعلومات، وعم نفعها مناكب الأرض كلها، ولم يعد باستطاعة أحد الإمساك بزمامها.
- إذن قضية اللغة العربية قد انكشفت معالمها وتبين أنها مسألة سياسية بالدرجة الأولى، يتمسك بورقتها من بيده مقاليد الأمورللمساومة بها في الوقت المناسب، هيئات مختلفة وأكاديميات لا توجد إلاعلى الورق ومجالس عليا فلا هي نزلت إلى أرض الواقع ولا الواقع استطاع الوصول إليها،( فرنسة وأجنبة المحيط تجري على قدمين وساقين ولامن رفع يافطة في وجهها معترضا) اللهم إلا المقرات الفخمة والمناصب المغرية.
الفرانكفونية يرى الملاحظ جهود العاملين فيها صبح مساء ولو بواسطة الإشهار التلفزي لحروف لغتهم( la 5 الفرنسية مثلا )على شكل أمواج بحرية وحبات برد تتساقط من السماء كوسيلة إغراء وتحبيب للناشئة.... بينما لغتنا تتعرض لمختلف ضربات معاول الهدم والتكسير المبرمج ، وذلك على مرأى ومسمع أهلها والناطقين بها والمتعاطفين معها.
وكأن هذه اللغة هي سبب تخلف الشعوب العربية والإسلامية! فإن كانت اللغة تعتبرفي نظرهم وسيلة فقط فلِمَ الخوف منها ؟! وإن كانت تحمل فكرا، فلِمَ لم تتطورتلك الشعوب التي أقصت العربية من مناهج منظوماتها التربوية وبرامج تعليمها ؟!! وإلا كيف نفسراعتماد جمهورية سوريا للغة العربية كلغة أولى للتدريس في مختلف شعب وتخصصات العلوم بجامعاتها منذ عشرات السنين، فهل تأخرت سوريا عن ركب العصر؟!! أم صارت أكثرتطورا بغض النظرعن التحولات السياسية فيها من عدمها؟!! وهل هناك مجال لمقارنة سوريا المعربة بدولة السنيغال المفرنسة؟ أو النيجرأو مالي؟! وكيف يمكن إجراء مقارنة بينهما والدولتان متخلفتان؟ فعلى أي مقياس أومعياريمكن تقييم ذلك؟
أفي مختلف المجالات؟ أم في المجال اللغوي فقط، لمعرفة إن كان سبب التخلف يعود إلى لغة التدريس،أم يرجع إلى أسباب أخرى لا علاقة لها بالمجال اللغوي.
اللغة العربية لم يبق أمامها الآن سوى ميدان قطع غيارالحواسيب والسيارات والطائرات والغواصات، تلك القطع التي تعد بالملايين ، وهي قادرة على القيام بالمهمة، ولكن في إطارالترجمة فقط ، وليس التعريب ، بحكم أن صانعي تلك الوسائل سبق لهم وأن أعطوا مبتكراتهم ألفاظا ومصطلحات نحتوها من لغاتهم، التي ينتمون إليها أو يتكلمونها، أويبحثون بها، بينما هذه المصنوعات منعدمة الوجود عندنا دراسة وبحثا وتصميما وتوفيرا للمصطلحات التي يحتاجون إليها، لإطلاقها على مسمياتهم المبتكرة.
إن العجزأوالقصورالذي يحاول أعداء اللغة العربية إلحاقه بها، هو عجزعائد بالضرورة للناطقين بها! وللعاملين عليها! وللمكلفين بالعمل على تطويرها! وللواقفين بالمرصاد لها من أعدائها ضد نموها وانتشارها، لكي لا يتمكن الدارسون والناطقون والمدافعون عنها من تحقيق أية قفزة نوعية نحو المستقبل المنشود.
وبالتالي ها نحن متخلفون جميعا فلا الناطق العامل باللغة الأجنبية تطور، ولا المتمسك بلغة أمه تقدم، كلنا في الهم لغة وتخلفا.
إن كل شكل من أشكال تخلف هذه اللغة، هو ناجم ـ أصلا في نظري ـ عن عجز أولئك المتقاعسين عن الدفاع عنها، وعن هؤلاء الذين يتوجسون خيفة منها، لأن اللغة كل لغة من لغات العالم، لا تتطور ولا تنمو إلا بنمو مستعمليها والناطقين بها، فإن تطوروا هم تطورت، وإن تخلفوا تخلفت، والعكس غير صحيح.
إن أية لغة إذا أردت لها أخي صديق العربية أن تزدهر وتزداد ثراء، فما عليك إلا أن تزدهرأنت أولا، في كيفية استعمالاتك لها، وفي تقدمك في مجال ما ابتكرت ومااخترعت، وفي مدى قدراتك على توظيفها، والانتفاع بفضائلها ومن ثم تستطيع البحث فيهاعن المشتقات والمنحوتات من مخزونها المجمد الضخم ، الذي علاه الصدأ، واكتنفه الغبار، وقد يزوره الموت حتما، وهي سنة الله في مخلوقاته، فإن عرفت أنت سبيلك إلى التقدم، وأنجزت الجديد، وحاولت البحث عن حزمة من الألفاظ والمصطلحات التي تريد إطلاقها على ذلك الجديد، فإن اللغة لن تبخل عليك بذلك أبدا.(المثال الحي: اللغتان العبرية والفيتنامية....).
فاللغة لا تتخلف ولاترضى لنفسها الجمود أوالموت ، كبقية مخلوقات الله.( إنا نحن نزلنا الذكروإنا له لحافظون)
إذن فلا يجوزلك أخي عدو العربية أن تتهمها بالتخلف وعدم مواكبة الركب، وأنت لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بغيرها، ولم تتشرف بالتقدم إليها طالبا منها أن تمدك بتلك الدرروالكنوزالتي لا تنضب
* اللغة العربية في خدمة حفيداتها*
بهذه الانطباعات الاستفزازية السالفة الذكر يسعدني أن أعرض على الإخوة القراء بعض الألفاظ العربية التي أنجدت لغات أجنبية عديدة ، وسدت الفراغ بها، في فترة ازدهارثقافةأهل تلك اللغة الأعجمية، وفي فترة تخلف لغتنا بعد تخلف أهلها،هذه الألفاظ أقدمها كعينة تعميما للفائدة، ورفعا لمعنويات بعض الإخوة الذين لم يستطيعوا منازلة أعداء اللغة العربية، وإظهار فساد منطقهم، وعدم صلاحية أدلتهم ،التي كثيرا ما حاولوا ـ يائسين ـ ضرب اللغة العربية ورميها بالعقم تارة، وباتهامها بالعجز والتخلف تارة أخرى، جاحدين فضلها، من أنها لغة القرآن الكريم، ولغة أهل الجنة ـ جازمين عن جهل تام ـ أن اللغة العربية ليست لغة علم ولا تكنولوجيا، وكأن اللغة العربية ـ التي لم يستعمل مما تمتلكه من كنوز وذخائر إلا حوالي العشر ـ هي التي حالت دون تقدمهم وتطورهم في شتى مجالات العلوم وميادين المعرفة، وكأن كذلك هؤلاء الذين يتهمونها، وهم الذين يتكلمون بلسان ضراتها، ويستعملون مفردات ومصطلحات حفيداتها قد قطعوا ـ في مجال تطورالعلوم الفلكية والبحوث البيولوجية ـ شأوا طويلا، تحسدهم عليه لغة الضاد.!!
فتعالوا أصدقاء العربية وأعداءها معا، نستعرض بعضا مما اختلسته تلك اللغات الأجنبية وما سرقته، وما احتاجت إليه من لغتنا الماجدة، وذلك في أيام عزها وعزأهلها، وحتى اليوم مايزال مسلسل الاستعارة والاختلاس من العربية متواصلا.
ومن ناحية أخرى قد ظن البعض أو تناسى أن كل أس من أسس كل علم من العلوم الحديثة هو ثابت الرسوخ في الحضارة العربية الإسلامية أيام ازدهارها وانتشارها، من رياضيات وجبر وهندسة وفلك وحساب وعلم أحياء وفيزياء وكيمياء..
ولانعيد للأذهان جهود جابر بن حيان وحكاية الصفر الذي لا حياة لأي علم دقيق إلا به، فبعد مضي عدة قرون تأكد الناس كل الناس أن لا حساب ولاحضارة إلا بتلك (الدائرة) العربية المنشإ والابتكار(0101010101).
ومما يثير الدهشة أنه حتى الإخوة سكان الخليج العربي وما جاوره ما يزالون معتزين بذلك الصفرالذي ابتكره أجدادهم، وهم يمجدونه دوما بوضعه على كوفياتهم، ولايعرفون لذلك تفسيرا.
مادة سناء médecine
ولنبدأ بمجال الطب وبأول لفظ فيه médecine أتدرون ما أصل هذا اللفظ وما منشؤه؟! إنه يعود إلى ذلكم الطبيب الفذ صاحب كتاب (القانون في الطب) ابن سناء، وأن اللفظ لفظ عربي مركب من كلمتين الأولى وتعني مادة، والثانية وتعني سناء، أي مادة سناء.
فلماذا لم تجد اللغة الفرنسية مقابلا لهذا المعنى في لغتها؟! ولجأت إلى أخذ الكلمتين وركبت منها لفظا واحدا صار دالا على علم الطب؟! أيعود ذلك إلى عجز في بنية اللغة الفرنسية أم إلى قوة وثراء اللغة العربية؟!
أعتقد أنه لا يعود لاإلى هذا ولا إلى ذاك، بل إلى قدرة الإنسان الذي باستطاعته استعمال أي لفظ يراه مناسبا لإطلاقه على المسمى الذي يريده ومن هنا تنتفي تهمة عجز اللغة عن مواكبة عصرها، فالفرنسة لا تعني تعميم الفرنسية بل تعني ما لم تستطع نحته من لغتها فتأخذه من لغة أخرى، فيصير مفرنسا، فكذلك التعريب لا يعني تعميم اللغة العربية على بقية مجالات الحياة إنما يعني إدخال ألفاظ أجنبية عن اللغة العربية وضمها إلى الأسرة الواحدة مكرمة معززة ( بوجو، رونو، فيات، تيلفزيون.....).
كاظمة kasma
ولنأخذ من الألفاظ العربية القحة التي هاجرت ـ قسرا أو طوعا ـ إلى لغات أجنبية ، وتم تجنيسها بجنسية العائلة التي أدخلت إليها، لاسيما اللغة الفرنسية واعتقد مستعملوها أنها تنتمي إليهم مبنى ومعنى نجد لفظ ( الكازمة ) الذي يعود أصله إلى كلمة (الكاظمة) وذلك باعتبار أن (الكازمة) هي عبارة عن قبو أوحفرة تحفرفي الأرض، ويلجأ إليها أي هارب أومتخف من خطر قد داهمه، ومن الأمثلة على ذلك: (الكازمات) التي كان المجاهدون الجزائريون يستعينون بها للتخفي عن أنظار وملاحقة المستعمر الفرنسي لهم، فابتدعوا هذه الوسيلة للتخفي والاختباء حين يتأكدون أن ميزان القوى في المعركة غير متكافيء،وليست الفكرة عائدة إلى ابتداع فيتنامي كما قد يتوهم البعض، فالفيتناميون يلجأون إلى التخفي داخل جذوع الأشجار، وإلى الغوص داخل مياه الأنهار يتنفسون بواسطة أنابيب القصب، بينما الكاظمة لا تسمى كذلك إلا في عمق الأرض وفي الكهوف والمغارات.
ومنها على سبيل المثال (الحفرة) التي لجأ إليها الرئيس العراقي صدام حسين، أثناء اجتياح القوات الأمريكية للعراق سنة 2003 م.
و باعتبار أن اللغة الفرنسية لا تتحمل النطق بالظاء، فقد لجأت إلى أسهل طريقة لحل تلك المشكلة وهي تخفيف الظاء ، وتحويله إلى سين أو زي (zs) ليصير نطق الكلمة مناسبا، فتصبح (كازمة) بدلا من (كاظمة) العربية .
ومن المعروف أيضا أن لفظ (كاظمة) قد جاء من كظم يكظم ، أي حبس يحبس غضبه، ويكتم غيضه على مضض ، يكظم الملتجيء إلى هذه الكاظمة غيظه وغضبه وسخطه، في انتظار مجيء الفرج، أو الأمر بالخروج من تلك الحالة النفسية السيئة ، أويتخذ قراره بنفسه لللإفلات من حالة كظم الغيض والغضب، فيتنفس الصعداء، بعد زوال دواعي التسترالإجباري ، التي دعته إلى الهرب والفرارمن بعض المخاطر والمخاوف.
(سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.)
الشاهد: الكاظمين الغيض.فهل هناك من يدخل (كاظمة) وهو فرح سعيد ؟! أم يدخلها وهو كظيم؟!!
طبعا يدخلها على مضض أوغصبا عن إرادته.
فما هو المعنى الذي قد يؤديه اللفظ الأعجمي إن كان لفظ kasma أعجميا؟!!
فإن كان ولابد من استنباط أي معنى قد يؤدي إلى الغرض المطلوب فهو معنى لا يخرج عن كونه عربيا.
فحتى قدرالطبخ التي توضع على النار، محكمة الإغلاق، لا تلبث أن تظهرغيضها جليا، عبرتلك الفوهة المخصصة لإخراج الفائض من الغليان ومن بخار الماء، وهي كاظمة غضبها وغيضها، فتسمى (كاظمة)cocotte minute
والله أعلم
قُمَيرَة camera
الكثير من مستعملي وسائل التصوير في العالم، يعتقدون أن ذلك الجهاز الذي يطلق على اسمه لفظ (كاميرةcamera ) هو من صنع وإبداع الغربيين دون غيرهم، وباعتبارأن هذه الآلة هي اختراع وابتكارأوروبي ـ حسب ما هو شائع ـ فإن أصولها ـ يا إخوة الكتابة من اليمين إلى اليسارـ ترجع ، إلى ذلكم الإنسان العالم العربي، عالم البصريات ابن الهيثم، الذي كرس كل حياته للبحث في علم الضوء، فقد ابتدع جهازا صغيرا كان يدرُس من خلاله ظاهرة الضوء، وكل ما يسمى الآن بالبصريات، في محاولات تجريبية للاطلاع على أسرارالنور وماهيته ، فقد لجأ أثناء محاولاته تلك للقبض على حقيقة الضوء، إلى صنع كوة من ورق، أو من جلد، أو من أي شيء آخر، لا نعلمه، وكان يتأمل من خلاله ضوء النجوم والكواكب، منعكسة على المرايا، وأطلق على جهازه الذي صنعه أوعلى تلك الكوة لفظ (قميرة) تصغير قمر،لأنها تشبه القمر، فسميت من ذلك الحين قميرة ابن الهيثم ، وبالاستعمال المستمر لدى الغربيين صارت كاميرة، فاستبدلوا حرف القاف بالكاف واعتقد الناس بعد ذلك أن camera هو لفظ فرنسي محض، بينما الحقيقة هي أن هذا اللفظ قد تعرض لعملية تجنيس قسري وإدماج إجباري، ومع ذلك يقال أن العربية متخلفة!
فمن يستطيع الاستغناء عن هذه (القميرة ) في العمليات الجراحية الآن؟! التصوير الفتوغرافي بالقميرة، البث التلفزي بالقميرة، الاستشعارعن بعد لسبر أغوار الأرض بالقميرة، من بإمكانه رؤية مجاهيل الفضاء وأعماق البحار والمحيطات دون الاعتماد على هذه القميرة العجيبة ؟!
نشر بجريدة " الشروق اليومي " الجزائرية يومي: 27.26 04 2005م
هي البحر في أحشائه الدركامن..
ماتزال اللغة العربية تبحث عن غواص ماهر، يمكن أن يلج أعماق بحارها، ويستخرج منها تلك الدررالثمينة، والكنوزالغالية.
تعالوا أيها الإخوة القراء أدعوكم إلى وجبة لغوية لذيذة، وأنا متأكد أن طعمها سوف ينال إعجابكم ويحوز رضاكم، لاسيما وأنتم الذين لا تطيقون صبرا عن التهام سطورالعربية وفقراتها في كل حين، نطلع معاعلى غيض من فيض من تلك الألفاظ العربية التي أنجدت نظيراتها الأجنبيات وأعطتهن إكسيرالحياة، ودفعت بهن للارتقاء والانتشار والتطور.
من الألفاظ التي تم الاستحواذ عليها، وتم تصديرها دونما مقابل مادي ! ولامفاوضات لغوية ! ولا اتفاقيات لسانية ! والتي يعتقد كثير من الناس أنها ألفاظ أجنبية، ولاعلاقة لها باللغة العربية، وهي في حقيقتها أسماء عربية قحة وذات فصاحة وصحة، ولا تربطها باللغة اللاتينية أوالمتفرعات عنها من إيطالية وفرنسية وإسبانية، أية صلة، اللهم إلا صلة الاستعارة من العربية ووراثتها قسرا أو طوعا.
لنأخذ من ذلك مثالا بسيطا تتحدث به الألسن في كل آن، ولا تعيره أي اهتمام، (دارالبلدية) الذي يطلق عليها باللغة الفرنسية لفظ:
الأميرية la mairie
هذه التسمية يظن بعض أبنائنا أنها تسمية فرنسية الأصل، مبنى ومعنى، في الواقع تبدوكذلك، ولكنها في الحقيقة قد انحدرت من لفظ عربي صحيح وهو (الإمارة أوالأميرية) التي تعني مقرإصدارواتخاذ القرارات التنظيمية المحلية في مختلف مجالات الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لإدارة شؤون الرعية القاطنين ضمن إقليم جغرافي معين.
وقد ساد واستعمل هذا اللفظ أثناء ازدهارالدولة الإسلامية وفي أيام عزها ومجدها، والتي امتدت أرجاؤها من بغداد شرقا، إلى قرطبةغربا، ويبدوأن حاجة اللغة الفرنسية لهذه التسمية لم تكن من باب الترف اللغوي، أو بحثا عن المزيد من الثراء، فقد جاءت حاجتها إلى ذلك تحت ضغط مستحدثات التنظيمات الإدارية والتقسيمات الجغرافية للأقاليم المختلفة آنذاك، فلم تجد مناصا إلا الخضوع لتيارالتقليد، تقليد العرب والمسلمين المتحضرين ـ كما هو ساربالنسبة إلينا اليوم ـ فاتكأت على عكاز اللغة العربية لتعويض عجزها وتغطية افتقارها إلى المصطلحات والمفاهيم المستجدة في ذلك الوقت.
لقد حاولت اللغة الفرنسية أن تجد لهذا المسمى مرادفا آخر، يتلاءم ووظيفة مقرالإقليم الإداري المحلي، الأمرالذي قد يمكنها من أن تتخلص من تبعيتها للغة العربية فأطلقت اسم: hotel de ville على (دار البلدية) ولكن الناطقين باللغة الفرنسية والمنهزمين لغويا ـ مثلنا في الظرف الحالي ـ قد أحجموا عن استعمال هذا المصطلح وصاروا يفضلون إطلاق مصطلح (الأميرية) mairie la علىالمقرالإداري المحلي، في كل معاملاتهم ومراسلاتهم الرسمية، وغيرالرسمية ، بدلا من لفظ: hotele de ville الذي يبدو أنه لم يعد يفي بالغرض المطلوب، ولم يحقق الغاية المرجوة .
أما إذا التفتنا إلى أسماء المدن والحواضر، فسنجد أن حيل (اليربوع الأزرق) قد انقلبت، وتأكد لدينا فعلا أن (المغلوب دوما مولع بالغالب) ـ كما يقول ابن خلدون ـ سواء تعلق الأمر بنا المغلوبين حضاريا أم بهم الغالبين لغويا، فتعالوا نرى ما الذي يمكن أن نفهمه من لفظ اسم المدينة التي تجري بها ألعاب البحر الأبيض المتوسط في هذه الأيام:
ألأميرية : elmeria
تلك المدينة الإسبانية الجميلة الواقعة وسط شرق شبه جزيرة أيبيريا، والتي تحتضن ألعاب البحرالأبيض المتوسط، نلاحظ أن اللفظ هذا لا يعني باللغة الإسبانية شيئا،اللهم إلا معنى (الأميرية) فأداة التعريف في اللغة الفرنسية ـ كما هو معروف ـ هي ( le ) بينما في اللغة الإسبانية نجدها على العكس من ذلك ( el ) ( أل) المأخوذة أيضا من اللغة العربية، في حين نجد اللغة الفرنسية قد عكست هذه الأداة للتمويه والتضليل، حتى لا يقال عنها أنها أخذتها من اللغة العربية ! فهل بإمكان اللغة الإسبانية والفرنسية الآن أن تستغنيا عن أداة التعريف العربية؟!
فلولا أداة التعريف العربية هذه لأضحت هاتان اللغتان الفرنسية والإسبانية نكرتين! أليس كذلك ؟!
وهكذا نلاحظ إذن أن اللغة العربية حتى في هذه الجزئية التي تبدو بسيطة، قد سدت فراغا بنيويا رهيبا في اللغتين الإسبانية والفرنسية وأمدتهما برداءين من حرير، سترا عورتيهما.
ألا يدل هذا على أن أمهم الكبرى اللغة اللاتينية قد عجزت فعلاعن أن تجد أداتي تعريف لإبنتيها الفرنيسية والإسبانية؟! فاستنجدت أخيرا باللغة العربية التي سمحت بدورها لهما لتأخذا حاجتيهما دون عقدة ؟!.
إن الأصل في تسمية المدينة elmeriaبهذا الشكل والمحتوى يعود إلى اسم (الأميرية) نسبة إلىالأمير،(أميرالمؤمنين) وهي تعني مقرإدارة شؤون قاطني ذلك الإقليم الجغرافي المعين، ومركز اتخاذ القرارفيه.
متى تم هذا الأمر وكيف ولماذا ؟ الله أعلم، لعل بعض دارسي فقه اللغة والباحثين في اللسانيات وعلم النفس اللغوي واللسانيات المقارنة يعرفون جواب ذلك.
ولنعرج على بعض أسماء المدن الإسبانية الأخرى، التي هي أسماء عربية، قد بقيت على حالها مع مرور الزمن، دونما تحريف أوتشويه كبيرين، اللهم إلا فيما يخص متطلبات النطق الإسباني، فغيرت لذلك بعض الأحرف، وعلى سبيل لفت الانتباه لاغير نورد الأسماء التالية نموذجا، متدرجين من البسيط إلى المهم ثم إلى الأهم فالأغرب:
ملقى malaga
وتعني ملقى، أي ملتقى،أو موعد، والدليل هو عدم وجود أي معنى قد يؤديه هذا الاسم باللغة الإسبانية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ، مما يدلل على قوة تأثير هذه اللغة في ثقافات شعوب العالم.
غرٌ نهض grenada
وأصلها غرناضة، أي غرٌ نهض أو غر ناهض، أو صبي قائم، وهي تختلف عن معنى لون الرمان بدليل أن: grenade باللغة الفرنسية تعني القنبلة والرمانة
ما دريت Madrid
وتعني: ما دريت، أي كنت جاهلا بالأمر، أولم أكن على علم به، أو ليس لي به دراية.
ومن صور تشويه اللغة العربية في الجزائر وحتى في عهد استرداد استقلالها وسيادتها ما نزال نطلق بغباوة وبلاهة كبيرتين أسماء كثيرة مكسرة ومهرسة ومفرنسة على أماكن ومدن وأحياء لها أسماؤها العربية الأصيلة أو العثمانية الصحيحة، ولناخذ أمثلة بسيطة لذلك:
صالح باي le saint lombey
حاكم عثماني من هو؟ ؟ انظروا كيف تحول اللفظ من عربي إلى اسم قديس تلوكه الألسن صبح مساء دون انتباه
وما الفرق بين باي وداي ؟ حي " باينام " بالجزائر العاصمة هو في الحقيقة الباي..نام وكذا حي "ميرامار" أي حي الأمير عمار
حسين داي le saint dey
داي الجزائر المعروف في العهد العثماني الذي فاوض المحتلين الفرنسيين أثناء غزوهم للجزائر تحول من حسين داي إلى القديس داي يا سلام !!
من هو؟ وما قصته؟ ولماذا هذا التكسير في كتابةاسمه بالفرنسية؟ ربما اتنقاما منه، لأنه كان السبب الظاهر لغزو بلادنا؟
أزعم أن كثيرا من طلبتنا الجزائريين لا يعرفون عنه شيئا، ولا سيما منهم أولئك الذين ينطقون اسمه محرفا، سواء أكانوا متعلمين أم مثقفين وباللغات الثلاث الوطنيتين وكذا الأجنبية!
مصطفى والي staoueli
من هو ؟ وما علاقته بتلك المعارك الطاحنة التي خاضتها المقاومة الجزائرية بمنطقة (سطاوالي) ودارت رحاها ضد جحافل المحتلين الغزاة بداية من سنة 1830م؟
مصطفى غانم mostaganem
من يكون هذا الرجل؟ ولماذا يشاع أن لفظ (مستغانم ) يعني مسك غانم، أو مسك غنم أو مساحة مغانم إلخ...؟!! بينما الحقيقة التاريخية لعلها تكون على غير ذلك، فلماذا هذا التحريف الذي طرأ على أسماء شخصيات وطنية مهمة؟ والتشويه الذي مس ماضي مدن ذات عراقة وبطولة؟ وحجب رؤية الحقيقة التاريخية عن الأجيال الصاعدة، التي لم يعد لديها ربما وقت كاف للبحث في ماضي آلاف السنين والقرون الخالية، وهي تجهل ماضيها القريب ومآثره.
فحتى البرامج والمناهج التعليمية والتربوية التي يقال أنها علمية وتستند إلى أسس بيداغوجية ، نجدها تبدأ بدراسة وتدريس الأحداث التاريخية الموغلة في البعد الزمني، وتترك الماضي القريب الحافل بالوقائع، والأمجاد والمآسي، وعندما تعترض التلميذ أوالطالب صعوبات في مواصلة دراسته، وينقطع عنها، يجد نفسه جاهلا بأهم ما في ماضي بلاده ، ولا يظفر إلا ببعض المعلومات المضببة عن العصر الحجري الأول أوالثاني وهلم جرا ؟أعتقد أن الأمور معكوسة تماما.
ومن ناحية أخرى ما وظيفة الأجهزة السمعية البصرية الوطنية إن لم تكن في خدمة الأجيال وتبصيرها بما تجهله عن وطنها؟
أم أن سؤالا من نوع: ( في الفيلم الفلاني كم مرة رفع الممثل الفلاني أصبعه مشيرا إلى حبيبته؟)
أومن نوع: (واحدة من ثلاث هي عاصمة الجزائر: (عنابة، وهران، الجزائر) من يعرف الإجابة الصحيحة يتصل فورا على الرقم: 080.80.080) هو أولى وأهم؟!!
برج ليكسم luxemborg
ما هي قصة هذا البرج وماحكاية صاحبه وما علاقته بالعرب والمسلمين ؟ السؤال يبقى مطروحا إلى أن ينبري له من يهمه أمر هذه اللغة المعجزة فيبحث عن جواب شاف ومقنع تاريخيا وجغرافيا ولسانيا.
برج بطرس betresbeurg
من هو بطرس هذا؟ ولماذا سميت قلعته وحصنه ببرج؟ وما هي صلته بالحضارة العربية الإسلامية؟ نفس الشيء بالنسبة للإجابة فهل من فارس يقتحم هذا الميدان ويعود لنا بغنيمة قد تكون متواضعة ولكنها بالتأكيد ذات بعد ثقافي وعلمي لا يمكن الاستهانة بقيمته.
إرث héritage
(وإنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون، الحجر الآية: 23) الوارثون " l'héritie de tous "
( أولئك هم الوارثون، المؤمنون الآية: 10) ce sont eux les héritiers
ألا تلاحظون أن الكلمتين العربية و(الفرنسية) هما كلمة واحدة شكلا ومحتوى؟! ماعدا تحويرطفيف قد اعترى اللفظ لضرورة قواعد النحووالصرف الفرنسيين؟!
(ورث يرث إرثا وميراثا ووارث وموروث héritier les héritiers
أليست هذه لغة عربية قحة وفصيحة وبشهادة القرآن الكريم،( بلسان عربي مبين) الشعراء، الآية 195، تقرأ وتكتب بأحرف فرنسية؟!
أم أن اللغة الفرنسية هي أقدم من لغة العرب؟!!
أمين السر Secrétaire
تأملوا هذه الفرنسية الفصيحة، لقد جاءت من لفظ (سكر) أي: أغلق وسد، أي حال دون ظهورالشيء، أوما يسوء من جراء ظهوره، أو كتم ما لا ينبغي إبرازه، أو سكر غاب وعيه، وحجب عقله ، وكذلك سكر بمعنى كتم وحجب ما يعلمه، وأبقاه سرا مكتوما، ومنها ركبت ( سكريتير) أي كاتم السر، وأمينه secrétaire
وهكذا.. نجد أن اللغة الفرنسية قد استنبطت اللفظ وسلخته،وفرنسته عنوة، بل أخذته من اللغة العربية بقضه وقضيضه.
واستفادت كثيرا من هذا اللفظ : secrète ،sécurité أي الأمن" rassurante " الذي جاءت منه أيضا كلمة:
سري secret
( واستعينوا في قضاء حوائجكم بالسر والكتمان) أي ب) secret) نعم، لم يضيفوا إلى اللفظ العربي الأصيل شيئا كبيرا، اللهم إلا حرف (c) لتصير لغة فرنسية صحيحة، ما شاء االله على هذه العبقرية اللغوية! ومع ذلك يقول المنسلخون عندنا:( لابد أن أعلم أبنائي لغة حية أجنبية، ابتداء من السنة الثانية أساسي، وبالخصوص اللغة الفرنسية، وهو لا يدري المسكين أنه يعلم أبناءه اللغة العربية بأحرف فرنسية !!
وبهذا أرجو أن أكون قد جبت بمحبي لغة الضاد والمتعاطفين معها سواحل جميلة، حتى ولوكانت ضيقة ، من بحراللغة العربية المترادف الأمواج، وتمتعوا بعذوبة مياه رافد واحد من روافدهاالمتعددة، التي تصب كلها في محيط أم اللغات الهادر، وتفسحوا قليلاعلى ضفاف نهر من أنهارها التي سقت وماتزال تسقي بساتين وحدائق لغات أخَر ولا فخر.
* لا خصوصية ثقافـيـة في ظل تبعـية لغـويـة *
إن التشويه اللغوي الذي اعترى الأسماء والأفعال العربية وقواعدهما، في مختلف مناحي الحياة ببلادنا، في المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية والمهنية والشوارع والملاعب والإدارات، والمؤسسات وإشارات المرور، وأغلفة المنتوجات الغذائية، والمطبوعات الإدارية، الرسمية، وغيرالرسمية، وبعض الصحف الأسبوعية، والدوريات الإعلامية، لم يكن ليأتي هكذا عرضا واعتباطا، أوبحثا عن أسهل سبيل للتبليغ والإعلام والتواصل، أولتحريف غيرمقصود، إنما نجم عن نية مبيتة، ما تزال تضمرها أطراف عديدة، لها مصلحة في ذلك، وهي الحقيقة التي أضحت صارخة، وتدعو إلى الحسرة على مآل تلك الجهود الكبيرة التي بذلت فيما سبق، لتعريب المحيط وتعميم استعمال اللغة العربية على المجالات كافة.
هذه اللغة التي تعرضت ومنذ فترة زمنية طويلة، إلى محاولات خبيثة متعددة ، ومتعمدة للنيل منها، ومسخ صورتها، بتوقيع أيدي وألسنة أولئك الذين كانت وما تزال تدفعهم حساسيتهم المفرطة، تجاه كل ما يتعلق بهذه اللغة المتميزة بالقدرة على الحياة والنماء عبرالحقب والعصور، وبالصمود والتحدي في مواجهة أعدائها.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه صارمن واجب كل من يملك مقدرة على الدفع ضد هذا التدهورأن يساهم بما استطاع من مقاومة، وأن يؤيد هذا الكلام ، أو ربما يعتراض عليه ولكن بمسوغات معقولة ومنطقية، وأن يدلي بدلوه في هذا الشأن، الذي بات يركن في دائرة من دوائر المسكوت عنه، وربما تحريم الاقتراب منه ، أوالخوض فيه، بحجة حساسيته وخطورته.
أية حساسية هاته وأية خطورة ؟! وقد بلغ الموسى العظم، في تشويه صورة لغة الشعب والأمة ، من خلال حصص وبرامج الإذاعات الرديئة وأطباق القنوات التلفزيونية التي وصل البعض منها في تدني مستوى الرسالة الإعلامية والتبليغية والتربوية إلى درجة الإسفاف، والتي لم تعد تشرف الشعب الجزائري أبدا.
وذلك باعتماد اللغة الدارجة والعامية المطعمتين بفرنسية ركيكة وتوسيع نطاق استعمالاتهما في إعلانات الجرائد والومضات الإشهارية التلفزيونية، وفي الأشرطة الغنائية التي لا ضابط لها ولا رقيب، وأشرطة الفيديو، وما تبثه من أفلام هابطة المستوى، وتضرب اللغة العربية في الصميم وذلك بحشوعقول الناشئة بخزعبلات ماهي بلغة ولا بلسان، والأقراص المضغوطة ومحتوياتها المشبعة بالأخطاء النحوية والصرفية والإملائية، وحجة من يقف وراء ذلك كله هو:
( أن هذه هي لغة الشعب ! لغة التبليغ والتواصل) وكأن هاته اللغة الممسوخة المليئة بالألفاظ المهرسة، والكلمات المفرنسة، والأفعال المرفسة، هي اللغة الرسمية للدولة الجزائرية، هذه اللغة الهجينة، التي تعرف دعما وتشجيعا كبيرين من قبل دوائر معينة، قد طالت كل شيء، في ظل تراجع اللغة العربية عن تأدية وظيفتها الحضارية وتقاعس المشرفين على حمايتها والدفاع عنها.
فهل صادف وأن شاهدتم أوسمعتم قناة إذاعية أوتلفزية فرنسية محترمة واحدة ، حاورت شخصا ما باللغة العربية على أمواجها أوشاشاتها أو ارتكب الناطقون بها أخطاء في حقها، حتى لوكانت بسيطة؟!
والله لوحدث ذلك لقامت قيامة فرنسا من أقصاها إلى أقصاها، لأنهم أصحاب نيف وغيرة على لغتهم،التي يعتبرونها عنوانا لشخصيتهم الحضارية ومبعثا لفخرهم واعتزازهم.
إنه من حق ومن واجب كل مواطن حروشريف، ويغارعلى شرف وقداسة لغة بلاده، ويحترم بنود ونصوص دستورها، أن يرفع يديه حاملا يافطة طويلة عريضة، صارخا معترضا على هذا الإهمال واللامسؤولية، فيما طال اللغة العربية من مساس مهين ومذل، مدركا قبل كل شيء، أن هذا الأمر هو واجب وطني وديني وأخلاقي.
وعلى الرغم من كل تلك المحاولات اليائسة، التي تعرضت وما تزال تتعرض لها اللغة العربية، وبحيل متنوعة الوسائل، ومختلفة الأشكال، وعلى أصعدة وسلاليم وظيفية، يعرف كثير من الناس أصحابها، ها هي تؤدي دورها التعليمي والتربوي والحضاري في صبروجلد منقطعي النظير، شامخة كالطود الأشم، منتظرة من أولئك السياسيين أصحاب القرارالقادرين على تشريفها بالدخول إلى غرف البحوث المخبرية العلمية، لتنتعش أكثر، وإقحامها مكاتب الدراسات الهندسية والدفع بها إلىالورشات الميكانيكية دون عقدة ، واستضافتها في أبراج الأبحاث الفيزيائية، والمعامل الكيميائية والنوادي الفلكية، وفي جامعات الوطن للعلوم والتكنولوجية، لتشرفهم هي بدورها وهي أهل لذلك، وترفع معنويات الناطقين بها، وتكون سندا قويا للمتعاطفين معها، إثباتا للذات، وتحقيقا للاستقلالية اللغوية، وتميزا في الإبداع الأدبي والفني والفكري والثقافي الداعم لعناصر الهوية الوطنية.
وبهذا الصدد ينبغي التثمين عاليا ذاك القرارالسياسي الصادرمؤخرا عن مجلس الوزراء، الخاص بدعم اللغة العربية والذي أعطى بصيصا من أمل، ورؤية تقترب من الوضوح، لمستقبل اللغة العربية، لأن تتبوأ مكانتها التي تليق بجلالها ومجدها وعلى أرضها، ولكن أين وسائل متابعة تنفيذ محتوى القرار وتطبيق ما ورد فيه ؟!
* لغة الإدارة والاقتصاد والديبلوماسية *
إلا أن القرارالصعب والجريء الذي ماتزال اللغة العربية في انتظاراتخاذه،هو ذاك القرارالتاريخي الذي يمكنها من أن تصبح لغة أولى للاقتصاد وللإدارة، وللديبلوماسية، على غرار بقية لغات العالم السيدة.
فالألماني لا يتعامل أو يتكلم إلا بلغته، مهما حاولت استدراجه لأن ينطق بغيرها! حتى ولوامتلك ناصية لغات العالم، وكذلك الفرنسي والأنجليزي والإيطالي والإسباني والياباني والصيني ..
فلماذا نجد فئة كبيرة من الجزائريين ـ وعلى الرغم من كون دستور بلادها ينص منذ أكثرمن أربعين سنةعلىأن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للدولة الجزائرية ـ تصر على التعامل بلغة غيرها، إن على المستوى الرسمي أوالشعبي؟!
ما تفسيرذلك لدى علماء النفس الاجتماعي واللغوي ؟!
وماهي الدوافع التي تجعل الإنسان الجزائري يتخلى طواعيةعن جزء من شخصيته وهويته ؟!
وما هي البواعث التي تدفعه إلى اعتماد هذا السلوك غير الحضاري ؟!
ألا يعد ذلك انفصاما في الشخصية ؟! وطمسا متعمدا لعنصرهام من عناصرهويته ؟! وتشويها ـ بوعي أو بغير وعي ـ لذاتيته الجزائرية؟!
فإن كانت المسألة تتعلق ( بغنيمة حرب ) ـ كما يدعي البعض ـ فلماذا لم تحتفظ الأندلس باللغة العربية كغنيمة حضارة ؟! وقد دامت فيها هذه الحضارة ما يربو عن الثمانية قرون ؟! بينما لم يدم الاستعمار الفرنسي ببلادنا سوى قرن ونيف ، وقد فعلت لغته فينا كل هذه الأفاعيل؟!
فمادامت الأندلس قد أخذت قسطها من الحضارة العربية الإسلامية، ولم تحتفظ بلغة الفاتحين العرب والأمازيغ، لماذا على الجزائر أن تحتفظ بلغة هؤلاء الفرنسيين الذين ما عمروا بلادنا وما حضروها وما طوروها، بل آثارهم تدل عليهم.
( تخريب العقول وإكلام الأفئدة وتمزيق الشخصية الجزائرية، و نشر سموم ثقافتهم الغربية التي لا تتماشى وأذواقنا الشرقية، تلك الثقافة التي من سماتها الأساسية بث روح التفرقة اللغوية، وإذكاء نارفتنة العنصرية النتنة، والتحريض على زرع بذورالجهوية المقيتة بين صفوف المواطنين الجزائريين، وتمهيد الأرضية لتنامي ظاهرة أخطبوط الرشوة والفساد الإداري، والتلوث الثقافي، وتمييع الذوق الفني السليم للأمة، بحجة دواعي التحديث والتطوير، فهاهي النتيجة ـ كما يلاحظ الجميع ـ بعد استهلاك ثقافتهم واعتماد أنماط معيشتهم، وجعل لغتهم وسيلة للتسيير والإدارة، لما يربو عن الأربعين سنة، نجد الأمة الجزائرية مكلومة في لغتها، مأزومة في ثقافتها، مهزومة في استقلاليتها،لا إنتاج غذائي وطني وفير، ولا مصنوعات محلية للتصدير، ولم يبق من اهتمام الفرد الجزائري إلا الكدح اليومي، من أجل توفير لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة لا غير)
( طبعا هناك فئة غير قليلة من الطبقة المتوسطة وما فوقها ببلادنا، مستفيدة من هذا الوضع، ولا ترضى بتغييره ، وقد يربكها ويقلص من حظوظها، وهي محقة في الدفاع عن مكاسبها، ولو على حساب الآخرين ).
أحترم التارقي حين يتكلم بتارقيته، والشاوي بشاويته، والقبائلي بقبائليته، والزناتي بزناتيته، والميزابي بميزابيته، لأنه يعبرعن ذاتيته الأصيلة، وهو فخور بانتمائه إلى أمته العربية الإسلامية، ولا أحترم ذاك الذي يتقعر ويرطن بلغة مستعمره بالأمس القريب، أمام أبناء بلده ، دون حاجة ماسة لذلك، مزهوا مفاخرا، وكأنه وصل إلى زحل، أوخاض حروب حنابعل، أو شارك في معارك هرقل.
(أعرف أحد الجزائريين الذين درسوا في أمريكا وكندا، يجيد خمس لغات عالمية، نطقا وكتابة، ولم أسمع منه يوما كلمة واحدة باللغة الفرنسية في حواره مع أبنائه وأبناء وطنه إلا مضطرا.)
فهاهم الإخوة المسيحيون اللبنانيون والأقباط المصريون لا يتكلمون ولا يكتبون إلا بلغتهم الدستورية الواحدة، الجامعة لذلك التنوع اللغوي الثقافي لأمتيهما كبقية شعوب العالم المتحضرة.
* اللغة فكرأم وسيلة ؟ *
ـ فإن كانت اللغة فكرا ، فإننا قد صرنا نفكر انطلاقا من مرجعيتين مختلفتين ومتاضدتين، كل منهما تدعي أنها على هدى، وأن سبيلها هو سبيل الخلاص والانعتاق من ربقة التخلف.
ألا تحتاج هذه الإشكالية القائمة ببلادنا والتي لها تأثيراتها السلبية المزمنة، إلى ندوة وطنية سياسية فكرية ثقافية لدراستها والبت فيها بصفة نهائية ؟ حتى لا نورث الجيل الحالي والأجيال القادمة هذا التطاحن اللساني والتنابز اللغوي، الذي سوف يفضي في نهاية المطاف إلى التخلف بأسمى صوره لا محالة؟! والدليل على هذا التخلف ما نعيشه منذ الاستقلال من صراع لغوي حاد، معرقل لكل جهود التنمية، ومن فوضى ثقافية، أربكت أفراد المجتمع، وزادت في اتساع رقعة الشرخ الموجود بين الفصائل الثلاث للنخبة الوطنية ، (المعربة والمؤمزغة والمفرنسة).
قلت فكرين مختلفين عربي إفريقي، وفرنسي أوروبي، تطبع وتأثركل منهما بطابع جغرافيا وتاريخ مختلفين، ونستعمل وسيلتين تؤديان وظيفتين مختلفتين أيضا ومتضادتين، إحداهما تدفع بالفرد الجزائري للغرق في بحيرة الاغتراب والاستغراب والاستلاب، وتوفيرعناصرالقابلية للاستعمار، (وهذا ثابت علميا وأظن أنه لامجال فيه للنقاش) ، والأخرى تدعوه للغطس في بحيرة الاستقلالية الثقافية عن الغرب، وإمداده بما يحصن ذاتيته، ويصون كرامته، ويحفظ وجدانه، من مخاطر الذوبان في الآخر.
وإن لم يكن الأمركذلك، فما الجدوى من مساعي أنصارنشرالفرنكفونية في ربوع العالم ؟ والعمل على توسيع مجالات استعمالها في فضاءات خارج وطنها الأم؟ إن لم تكن من أجل استيعاب الآخر، وشل قدراته الفكرية والوجدانية، ومن ثم الهيمنة والسيطرة عليه لابتلاعه!!
إن الحضارات دورات ودول، فالدورالعربي الإسلامي قادم لا محالة بإذن الله ، وتلك سنته في كونه.
فمنطق التاريخ يؤكد أن دورة الحضارة لا يمكن أن تستقر في مكان وزمان واحد، (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
إن ما يعرقل مسيرة وجهود المخلصين من أبناء هذا الوطن، التواق للتحررمن هيمنة الغرب الثقافية، هوهذه الخلافات الداخلية الطاحنة، السياسية منها والاجتماعية واللغوية بالخصوص.
( متى يبلغ البنيان يوما كماله * إذا كنت تبني وغيرك يهدم).
ـ أماإن كانت اللغة وسيلة فقط، فإننا نتناول طعامنا بملاعق لغة غيرنا، ونلبس سرابيلهم الفكرية الرثة، التي أثبتت التجربة عدم جدواها.
وبالتالي ها قد أضحينا بعد كل تلك التجارب المرة عراة مفضوحين، فلا مناسج لغتنا تركناها تكسونا، ولا أقمصة لغة غيرنا صارت تدفئنا.
ألم يصل الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة إلى طريق مسدود ـ بعد أن غامر لعدة عقود في رحلته اللغوية المعروفة، فعاد معترفا بعدم جدوى الإبحار في يم لغة يعيش أهلها الأصليون أزمات فكرية حادة، وربما الإفلاس ؟! وقد أدرك بحسه الحضاري في نهاية مطاف سفره ، وهو المتمكن الأمكن في ناصية اللغة الفرنسية، وبعد تجربة الكتابة الإبداعية بها وفيهاأن: (المكسي برزق الناس عريان؟!).
ها هو يعود للكتابة بلغة الوطن، لغة الهوية الحضارية, لغة الانتماء، لغة الأمة والشعب، لغة الأنا الجماعي الحضاري للشعب الجزائري المتميزعن الحضارات الأخرى، شئنا أم ابينا.
وكذلك الكاتبة والروائية الجزائرية المعروفة آسيا جبار، التي فازت مؤخرا بإحدى الجوائز الأدبية، قد صرحت أنها نادمة أشد الندم عن عدم تعلمها اللغة العربية.
مرحبا بالأمازيغية لغة وطنية للتفكير والإبداع الفني والثقافي ، وسحقا للغة عدوي الاستدماري بالأمس، وخصمي الحضاري اليوم، سحقا للغة امتدت أذرع أخطبوطها لتطال حتى قرى وسهول وجبال وصحارى الضفة الجنوبية من حوض المتوسط، ضفة الأحرار عربا وأمازيغ، محاولة التهامهم وعيونهم تنظر، وسواعدهم المفتولة تحاول الدفع ولكنها مغلولة، سحقا لمن لا غيرة له على دينه، وقدعلم أنه سوف يحاسب عن تفريطه في ذلك يوم القيامة، وسحقا لمن لا غيرة له على لغته الوطنية والرسمية، وقد أدرك أن الشهداء قد اطمأنوا عندما وضعوا الأمانة بين يديه، وبذلوا مهجهم رخيصة في سبيل تحريره واستقلالية شخصيته الثقافية والسياسية والاقتصادية، وتركوه ينعم بحرية وكرامة، وسحقا لمن لا غيرة له على انتمائه الحضاري المتميز ، سحقا لمن انسلخ عن جلده غصبا عنه، ولم يحاول الدفاع عن نفسه، أوعن طيب خاطر، وهو يردد أن ذلك لم يضره في شيء ، محاولا بإصرار سلخ الآخرين معه، دونما حياء ولا وجل.
نقول هذا لا لشيء، إلا لكون اللغة العربية ما تزال تبحث عن صاحب قرار شجاع، قد يقضي بقراره ذاك على كثير من بؤر التوتر الاجتماعي والتطاحن السياسي، ويحقق أسمى معاني المصالحة الوطنية المتمثلة أولا في الذات الجزائرية المستقلة، وثانيا في مسألة الانتماء الحضاري للأمة، وفض نزاعات إشكالية الهوية الثقافية، وثالثا في تخليص الأمة الجزائرية من أذرع أخطبوط التبعية اللغوية للغرب.
هذا الغرب الذي لم يستطع حتى اللحظة التخلص من حنينه الاستدماري وعقدة الهزيمة لديه.
إن كل من يبحث له عن أعذار في هذا الشأن هوواهم، ولم يستفد من دروس التاريخ شيئا.
( وما تكريم وتمجيد رموز الجريمة لليل الاستدمار سوى دليل على ذلك ).
نشر ب"صوت الأحرار" الجزائرية في 27. 11. 2005
نهاية الفصل الأول .
المفضلات