الأستاذ الفاضل يوسف الحجار،

1- حين قرأت تساؤلك (من منا يتكلم الفصحى في البيت والشارع؟)، لم أفهم من كنت تقصد بكلمة (منا)، فهل كنت تقصد أهلك وعشيرتك في فلسطين فقط؟ أم يا ترى كنت تقصد أهلك وبني جلدتك العرب (والعروبة ثقافة ودين) في كافة البلدان العربية؟ فإن كنت تقصد أهلك العرب في المغرب ولبنان وسوريا والعراق والأردن والبلدان العربية الأخرى، فهل أنت واثق إلى هذا الحد من عدم وجود من يتكلم الفصحى في هذه البلدان؟ وهل أنت متأكد إلى هذه الدرجة من وجود من يصر على استخدامها في الحياة اليومية نهارا جهارا، في البيت وفي الشارع، من دون خوف ولا وجل، أو الخوف من السخرية والاستهزاء الذي تشعر فيه في بلادك كما قلت؟ أقول لك يا أخي: بلى، هناك كثيرون يفعلون ذلك بكل ثقة، ويصرون على الحديث باللغة العربية الفصحى مع أهلهم وأطفالهم في البيت وفي الشارع وفي كل مكان يذهبون إليه.

2- نحن لا نخشى من دخول بعض الكلمات الانكليزية (لا الأجنبية) إلى لغتنا العربية، لكن ما نخشاه هو أن يتطور هذا الأمر وأن يتوسع والحالة هذه إلى درجة تؤدي إلى تشوه اللغة العربية مثلما هو الحال مع الكثير من شباب اليوم الذين تستهويهم الرطانة فيتكلمون باللهجة "العرجمية" (العربية + أية لغة أعجمية) والتي اختلف العرب حتى على تسميتها فقالوا: العرنجليزية والعربجليزية والعربيزية والعرفرنسية والعربنسية والعرفرنسية، وهي لهجة أو لغة مولدة هجينة لا هي عربية ولا هي أعجمية، وهؤلاء الشباب يتكلمونها على حساب لغتهم العربية الفصحى مما سيؤدي بعد مدة إلى خلق حاجز بينهم من جهة وبين قرآنهم وثقافتهم وتراثهم من جهة أخرى.

3- أوافقك الرأي على أن الهدف الأول والأخير للغة هو التواصل بين البشر أو بين أبناء الأمة الواحدة، وأوافقك الرأي أيضا على أن استخدام كلمة "كمبيوتر" لن يشكل أية مشكلة إذا استطعت أن تضمن لي تعميم هذه الكلمة واستخدامها في كافة البلاد العربية لكي يتحقق هدف التواصل الذي تتحدث عنه من خلال لغة واحدة موحدة. فمن يضمن لي أن لا تقوم هذه البلدان بتبني مصطلحات مختلفة عن بعضها كل الاختلاف من أجل التعبير عن هذا المصطلح موضوع البحث؟ ومن يضمن لي أن لا يصر الجزائريون على استخدام كلمة "أورديناتور"، والأردنيون "حاسوب"، والمصريون "حاسب"، والسعوديون "العقل الاليكتروني"، وغيرهم على مصطلحات أخرى إزاء إصرارك وإصرار مواطنيك على استخدام كلمة "كمبيوتر" الانكليزية الأصل. إن هذا هو ما أخشاه يا أخي، وأنا أخشى أيضا أن يستمعوا لك فيقوموا بتطبيق اقتراحك في نقحرة الكلمات الأجنبية، وأخاف أن تقوم كل بلد بنقحرة وتبني كلمة أجنبية مختلفة عن البلدان الأخرى، كأن تقوم إحداها بتبني المصطلح الروسي، والأخريات المصطلح الصيني أو الفرنسي أو الألماني أو الياباني ... الخ. علما بأن المصطلحات ليست واحدة في كل دول العالم، و علما بأننا لا نستطيع إجبار الدول العربية على التقيد بتبني المصطلحات الانكليزية فقط كما تقترح أنت علينا.

4- كل دول العالم تعتز بلغاتها وتحافظ عليها بغض النظر عن وجود دراسات أكاديمية صرفة للغات واللهجات الأخرى، فهذه يتم بحثها ويتم تسجيلها، لكن الدول لا تستخدمها ولا تشجع على استخدامها على المستويات الرسمية والتعليمية والثقافية. وآخر مثال لغيرة هذه الدول على لغاتها واعتزازها بها ومحافظتها عليها هو ما فعلته فرنسا حين قامت باستدعاء مندوبها من أحد الاجتماعات الدولية، ثم قامت بعد ذلك بلومه وتوبيخه لأنه ألقى كلمته باللغة الانكليزية بدلا من أن يلقيها بلغته الفرنسية الأم.

5- إن الدول والحكومات العربية التي يهمها مستقبلها ومستقبل شعوبها تبذل الجهود الموصولة من أجل تعريب العلوم وتعريب المصطلحات الأجنبية الدخيلة على العربية، وهذا ليس بالأمر الصعب.

وأخيرا،

يمكنك يا أخي أن تستمر في استخدام المصطلحات الانكليزية المنقحرة في بلدك لكيلا يسخر بك قومك، لكنك لن تستطيع بحال من الأحوال أن تفرض استخدام تلك المصطلحات نفسها على البلدان العربية الأخرى، فذلك يا أخي يعتبر تحيزا للغة من اللغات الأجنبية دون اللغات الأجنبية الأخرى كالفرنسية وغيرها. أما الكلمات المعربة التي ندافع عنها ونقاتل من أجلها هنا فتبنيها من قبل الدول والبلدان العربية سيكون أكثر سهولة، وأكثر إقناعا، وأكثر حيادية.

ودمتم

منذر أبو هواش