العبابدة والتغيرات المناخية
Ababda Tribes and Climate Change

فى كارثة أخلاقية تتعرض قبائل العبابدة ، الكائنة بالصحراء الشرقية بجمهورية مصر العربية ، شأنها شأن العديد من المجتمعات الأصلية بالدول العربية ، تواجه خطر الانقراض نتيجة تهميشهم على مدار التاريخ ... واليوم ... فإنهم (قبائل العبابدة) ينتظرون المطر منذ أكثر من تسعة سنوات ... ينتظرون ، هناك ، فى واحد من الهوامش التى تزداد يوما بعد يوم فى ظل مؤسساتنا المعنية بالتأثيرات المتوقعة للتغيرات المناخية ، فقط ، على خططهم للتنمية ، والتى تخدم فى نهاية الأمر مصالح رجال الأعمال والمتحالفين معهم.

كالعادة ، تنحو الحكومات العربية إلى التصدى لمشكلات البيئة ، فقط ، تلك التى تتمتع بصفة العالمية ، وتمثل مشكلة التغيرات المناخية واحدة من تلك المشكلات ، فارتفاع درجة حرارة الأرض سيؤثر بالسلب فى العديد من المناطق كنتيجة غير مباشرة لأنشطة دول أخرى ، فالصناعات الملوثة للبيئة ، المنتشرة أغلبها فى أوروبا وأمريكا تلعب الدور الأكبر فى ارتفاع درجة حرارة الأرض ، وحدوث العديد من الظواهر ، ومنها تغير مواسم سقوط الأمطار وانتشار الجفاف فى العديد من المناطق ، خاصة أفريقيا حيث تشهد أجزاء كبيرة منها تباينا واسعا فى سقوط الأمطار.

وغالبا ما يكون الهامشيين والفقراء المنتشرين فى الأرياف والصحراوات هم الأقل قدرة على مواجهة آثار تلك التغيرات على أنشطتهم الزراعية والرعوية ، خاصة فى ظل ضعف المؤسسات وعدم فاعلية الحوكمة فى تلك الدول ، وفى إطار سياسة غير معلنة لمزيد من التهميش للفقراء.

هناك ، فى الظهير الصحراوى لساحل البحر الأحمر بمصر ، فى المنطقة الواقعة بين القصير شمالا وبرنيس جنوبا ، يتركز الكثير من قبائل العبابدة ، يعيشون هناك منذ آلاف السنين ، يمارسون أنشطة متوافقة مع بيئتهم وتنظيماتهم المجتمعية البسيطة ، يجمعون الأحطاب والنباتات الطبية ، يعملون خفراء وأدلة للبعثات الجيولوجية ، يتحدثون اللغة العربية بلهجة خاصة بالإضافة إلى لغة البجا ، وهى كلمة محرفة من أصل الكلمة الفرعونية "ميجا" ، التى تعنى الرجل المحارب ، حيث كان قدماء المصريين يستعينون بهم فى الأعمال الحربية الخاصة بحماية الباب الشرقى لمصر.

يجوبون الصحراء ، ينتظرون المطر لينبت بالأرض عشبا تقتات عليه أغنامهم وجمالهم ، ولكن ذلك المطر لا يأتى ، ولم يحاول أحد أن ينبههم ويساعدهم على التفكير فى حلول بديلة لمواجهة آثار تلك التغيرات ، ولكنهم كما تم تهميشهم حينما شرعت الدولة فى التنمية السياحية بالمنطقة ، دونما اعتبار لهم بصفتهم السكان الأصليون بالمنطقة ، كما لو كانوا غير موجودين أصلا ، تماما مثلما يحدث فى أماكن عديدة من دول العالم الثالث ، فعلى سبيل المثال ، تم تجاهل قبائل الأشاننكا فى بيرو من جانب مخططى التنمية ، لدرجة أن الخرائط القائمة على التصوير الجوى هناك كانت تطبع عبارة "قفار خالية" فوق أراضى بساتين الأشاننكا التى كان يمكن رؤيتها بسهولة.

فلتذهب القبائل القديمة بثقافاتها التقليدية إلى الجحيم.

ولتبقى "التغيرات المناخية" قضية... تخص فقط القادرين على طرح قضاياهم من رجال الأعمال وأتباعم من أولى الأمر وصناع القرار فى مقاطعاتنا المسماة "دول"

وإلى اللقاء فى هامش آخر من هوامشنا التى تزداد يوما بعد يوم.
أبو بكر