وقفة مترجم محارب
"بقلم عامر العظم"

(كتبت بتاريخ 18/6/2003 ونشرت على موقعي "بروز"
و "ترانزليتر كافيه" ووصلت إلى مئات المترجمين والمترجمات وقتها)

"لا صوت يعلو فوق صوت المترجمين العرب"
المترجمون العرب يقتحمون جميع الحصون والأبواب الموصدة.
المترجمون العرب ليسوا ظاهرة صوتية بل تاريخية.


عندما قرر المترجمون العرب مد أياديهم الطاهرة إلى جثة الواقع العربي المتعفن وانتزاعه من سحق التردي والتخلف لبث روح الحياة والأمل فيه, كانوا يدركون هذا الواقع الأليم وحجم الحواجز والأسلاك الشائكة ونقاط التفتيش والحصون المنيعة من التخلف والتجاهل والترهل والتشكيك التي تربض على صدر جثة الواقع العربي ومؤسساته الرسمية المصممة على الموت الأبدي. وكانوا أيضا يعرفون جيدا تلك الكروش المنتفخة والذقون المكتنزة التي تحجرت وتحنطت على كراسي هذه المؤسسات المعنية باللغة والترجمة والتعريب, والتي أصبح جل همها تقاضي راتبها ولسان حالها يقول " على الترجمة والثقافة والمترجمين العرب الموت الزؤام".

ولكي يدلي المترجمون العرب بشهادتهم أمام التاريخ، لأن التاريخ لن يرحم كل مختال فخور قاموا بمخاطبتهم "لعل وعسى" أن تتحرك تلك المشاعر والأحاسيس "المتبلدة" التي تفترش تلك البطون والذقون، لكن النتيجة كانت كما هو متوقع: السلبية واللامبالاة!، تراوحت ردودهم ما بين الكلام المعسول وبين تلميح لإظهار فوقيتها ومرجعيتها أو دعوة لتمجيدها والالتحاق بها أو صمت مطبق. واستمر المترجمون العرب بإرسال رسائلهم ونداءاتهم المتكررة, لكن لا حياة لمن تنادي!

لكن هيهات هيهات أن ينخدع المترجمون العرب بتلك المسكنات والمحسنات البديعية واللفظية لأن أجسادهم وعقولهم وأحاسيسهم الطاهرة الشريفة لم تعد تتخدر بتلك المسكنات والمخدرات. كانوا يمتلكون رؤية وهدفا نبيلا برغم شح الإمكانيات حيث كانوا منزوعي السلاح والعتاد في الوقت الذي كان من يمتلك السلاح والعتاد جالسا على أريكته الوثيرة ملتصقا بكرسيه بلزقة "جونسون" أو أشد أنواعها لصقا وقد وصل بطنه وذقنه إلى انتفاخ بات يعيق حركته.

حينها وقف المترجمون والمترجمات العرب وقفة الرجال, وقالوا بصوت جهوري : "لا ...لن نثبط ولن نستسلم لأنه ليس من طبعنا الاستسلام, بل سنقود انقلابا دوليا من خلال عملنا وإخلاصنا ,وأردفوا يقولون: " لتذهب، لأننا أحق بقولها منهم، المؤسسات العربية المختصة المشلولة "إلى الجحيم" لأن المهادنة لم تعد تجدي نفعا ولا أحد يسمع الصوت الخافت. وهل يعقل أن يكون صوت المترجمين العرب خافتا بعد تلك الإنجازات الرائعة التي اعترف بها حتى المترجمون غير العرب؟!

وبدأوا بالفعل قبل القول, وظل المجاهدون المترجمون الصابرون يصلون الليل بالنهار وهم يئنون أنات "بلال بن رباح" و"عمار بن ياسر" رضي الله عنهما, وانطلقت كتائب المترجمين العرب بمجموعات فدائية، أشبه بالعمليات الاستشهادية، تبحر في بحور الصمت وقهر الاستهتار, وتقتحم كل الأشواك والألغام ونيران التشكيك, وتجوب كل أركان الكون بروح قتالية عالية. لقد كانت حركتها الدؤوبة وقوة نشاطها وتأثيرها أشبه بصواريخ "كروز" العابرة للقارات في كل الاتجاهات. ظلت ولا تزال سرايا المترجمين العرب المخلصة لأمتها ورسالتها تقاتل وتصارع على جميع الثغور والتخوم والجبهات بصبر واحتساب وبإصرار ورجولة حتى ظفرت على رؤوس الأشهاد بالمعركة، وبالضربة القاضية لا بعدد النقاط، وانتزعت نصرها التاريخي المبين ...
فمن يجرؤ الآن أن يعلو صوته فوق صوت المترجمين العرب؟!


ولا يزال عامر العظم في الخندق الأول!