كان يا ما كان
في عينيها رأيته كطيف مر ولم يتوقف ليلقي التحية , فقط التفت إلي وفي عينيه آلاف الأسئلة وتحت الجفن تختبئ دمعات أحسبها سخية بادلته النظرة ورجوته فيها أن يتوقف قليلا لكنه رفض دون أن ينبس بكلمة .. ومضى
جدتي دعيه يتوقف قليلا قلتها وقطعت حبل الصمت الذي كان ..من هو أجابتني وكأنها لا تدري بأنني قرأته ورأيته في عينيها ...
الوطن .. حدثيني جدتي أرجوك رأيت طيفه الآن يمر في عينيك وفي عينيه آلاف الأسئلة وعلامات الاستفهام
وفيها عتاب طويل ودموع تختبئ ...
آه ثم آه وأطالت التنهيدة الثالثة لأشعر معها بذلك الوجع الذي يسكن بداخلها , يتوهج نارا تستعر في حناياها , ونظرت إلى بعيد ,
فلاحقت نظراتها بنظرتي ,فإذا هي هناك تعانق ذلك القريب البعيد المتلفع ببساط أخضر يرنو إلى شمس الحرية التي ضاعت ..جدتي أين ذهبت .. سألتها وكأنني مرة أخرى لا أعرف أن ذلك الأخضر هو عشقها الأبدي ...
ابتسمت بعد أن ربتت على كتفي لتقول : أعرف أنك معي وأنك تشعرين بكل ما يختلجني لكنك تريدين أن أحدثك عنه فابتسمت ابتسامة الموافقة ...
سبحان الله لم تكن تحمل الشهادة ولم تكن تعرف أن تكتب للوطن كلمة لكنه كان يسكن في سويدائها وينبض مع نبضات القلب ويحتل منها الشريان ...
تعالي إلي حبيبتي وأمسكت بيدي جذبتني إلى حضنها الدافئ الحنون فشعرت ساعتها بأنني جزء من وطنها الذي عشقت
انه هو أترينه يا جدتي قالتها ونظرت إلى حيث الخضار , هو من أراد المحتل المارق سلبه منا
بعد أن كان قد عاث بكثير من البلدان فسادا وقتل الإنسان والطير واحتل الحجر
جاؤوا إلينا في ليلة ليلاء بكل عتادهم وعساكرهم أخرجونا من البيوت اعتقلوا الرجال وأهانوا النساء خرجنا واختبأنا في الجبل فظنوا أننا قد غادرنا لكنه تفاجئوا صباحا بأننا عدنا
أعادوا الكرة كثيرا قتلوا منا الرجال واعتقلوا آخرين لكننا بقينا هنا صامدين
هنا عشنا وهنا سنموت واليكم ستبقى هذه الأرض ..فحافظوا عليها إلى أن يعود باقي الأحبة ولا تقولوا صغيرتي , كان يا ما كان بل قولوا كان وسوف يعود ...
ترسخت كلماتها في عقلي الصغير وكبرت معه إلى أن أصبحت الآن آلاف من دفقات القلب وملايين من مشاعر المحبة والانتماء
ماتت هي وبقيت أنا لأحكي لأولادي ولكم عنها .. كفرمندا الصمود
نقترب الآن من يوم النكبة اليوم الأسود في تاريخ الأمة لذا عادت لي كلمات جدتي من خبايا الذاكرة وها انا أرويها لكم ببساطة الأسلوب كما سمعتها منها تماما
المفضلات