أخي الفاضل محمد منصور الشقحاء،
تحية طيبة وبعد،
لقد دخلتً هذا المعترك ـ وهو معترك أقلام لا أقدام ـ بأفكار مسبقة تستميت في الدفاع عنها، ولهذا لمست منك قدرة عجيبة على تجاوز الحقائق والواقع، وموضوع النقاش، لتنتقل بنا إلى فضاءات أخرى لم نتعمد إثارتها ولم نقصد إليها، كأن تتهم ـ ضمنا ـ من يعترض على نظام الكفالة بأنه ينظر إلى السعوديين على أنهم (مخلوقات أخرى) على حسب تعبيرك، ثم تقفز إلى ذكر بعض مساوئ الأنظمة العربية ـ وما أكثر مساوئها ـ ولا أدري لم اقتصرت على سوريا والجزائر ومصر، ربما لأن بعض أبنائها هم الذين أدلوا بدلوهم في هذه المسألة.
ليس عيبا أن نتحدث عن الفضائح والفظائع الموجودة في بلداننا العربية، وأنا بحكم كوني صحافيا كتبت ولا زلت أكتب منتقدا كثيرا من الظواهر السلبية في الجزائر، كما انتقدت الحكومة والرئيس نفسه، وأعتقد أن إخواني يفعلون ذلك في كل الدول العربية، كل على قدر طاقته وحسب اجتهاده، ولم نقل يوما إن من ينتقد الجزائر حاقد عليها، ولا من ينتقد مصر يكره بالضرورة أهلها، ولا من يدين تصرفات نظام الأسد في سوريا يعني أنه يُكن العداء للسوريين، وهكذا دواليك.
أخي الكريم،
النقاش كان منصبا حول نظام الكفالة من وجهة نظر قانونية وحقوقية، وفلسفية بالدرجة الأولى، ولم أر في أغلب المداخلات من اتخذ ذلك مطية للطعن في دولة معينة أو في نظام معين، وعندما تتدخل الأديبة بنت السراة (والسريّ هو السيد والجمع سراة ـ فهي إن شاء الله بنت الأسياد الأماجد) تأكيدا لرأي الأخ الفاضل منير الدوسي حول موضوع استعداد الأجانب للدفاع عن بلد ما من عدمه، قدمت توضيحا بأن من الشروط الطبيعية للتضحية هو الشعور بوحدة المصير، وعندما استعملت مصطلح (المغانم) فأنا لا أقصد به الثروة بمفهومها الضيق، وإنما ضربت مثلا لأنني أقصد بـ(المغانم) الحقوق، بكل ما تحمله الكلمة من معان، كالحق في الحياة والحق في الإقامة والحق في العمل والحق في اختيار العمل ـ حسب القدرة والكفاءة طبعا ـ والحق في التملك والحق في الدراسة والاستقرار. وفي الحديث المرفوع: (تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة)، ولن يجرؤ أحد أن يقول إن هذه المعادلة الإلـهية باطلة.. إنه قانون الحياة يا أخي.
أخي الكريم، هل من الإنصاف والعدل أن يُمكّن ابن مهاجر كيني (وليس إيرلنديا أو إيطاليا) من الترشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، في حين يُمنع المواطن العربي (الذي يُسمى أجنبيا للأسف في دول الخليج) يُمنع من تملك بيت يشتريه بكد عمله، ويُمنع من تدريس أبنائه في المدارس الحكومية ـ إلا بشق الأنفس ـ ويُمنع من تدريس أبنائه في الجامعات الحكومية؟
أنا أعرف نماذج لأصدقاء مقيمين بالمملكة مكثوا فيها أكثر من 15 إلى 20 سنة، حصل أبناؤهم على معدل الامتياز في الثانوية العامة وتجاوزوا عتبة الـ90 من المائة، ثم اصطدموا بواقع أن النظم المعمول بها لا تسمح لأبنائهم دخول الجامعات السعودية؟ قل لي فقط هل ترى هذا منصفا وعدلا؟
عندما تتحدث عن سوريا أو الجزائر أو مصر، وعن الفساد الموجود فيها، فأنا أقرك وأضم صوتي إلى صوتك، غيرة على أوضاعنا أن تنحدر إلى هذه الهاوية، وأن نصبح أمة عديمة الأخلاق بعدما كنا أمة الأخلاق والشرف والعدل. لكن رغم كل ما في هذه الدول من فساد، لم تسلم منه أي دولة أخرى، ستجد لو قررت الاستقرار فيها حضنا عربيا (دافئا أو باردا): فأنت لن تحتاج إلى كفيل، ولن تُقيد حريتك في العمل، ولا حريتك في التحرك، ولن يُمنع أبناؤك من الدراسة في المدارس والجامعات الحكومية المجانية، ولن تُسمى (أجنبيا)، بل قد ينظر إليك البعض على أنك صحابي لأنك قدمت من أرض الطهارة والعفاف والإيمان.
وأشكر الدكتور شاكر شبير على مداخلته الأخيرة، وأوضح له قصدي من كلمة (المغانم)، وأنها لا علاقة لها بما يتبادر إلى الذهن من ريع (المؤلفة قلوبهم).
أخي الكريم محمد المنصور الشقحاء، لم ولن نسمح ـ في ضمائرنا ـ لأحد أن يدخل في نقاش غوغائي يتهم من خلاله نوايا الناس أو يُصفي حسابات سياسية بين الدول، (كلنا في الهم شرق) سواء كنا جزائريين أو مصريين أو سعوديين أو سوريين أو عربيين.. هدفنا فقط هو النقاش الجاد البنّاء.. ونحن نحب كل عربي مسلم، وأنا أعتبر السعودي المسلم أقرب إلي من الجزائري المسيحي، بل وأنا أنصرك أخي الكريم إن ظلمت ديانة وحمية ونخوة.. فبلاد الحرمين هي معدن الطهر والنقاء والبراءة والعفاف..
لكن، علينا أن نعي أنه لا تلازم بين النقد والعداء.. إننا نناقش الأفكار، لا الأشخاص ولا الدول..
وشكرا للجميع..