الحملة الوطنية لإقرار قانون الحقوق القانونية والمدنية لغير محددي الجنسية
البدون في الكويت.. دراسة تفصيلية
د. غانم النجار حجم المشكلة قبل أغسطس 1990
أدت الضبابية وعدم الوضوح في التعامل الحكومي مع موضوع البدون إلى التأثير حتى على الجانب الإحصائي، حيث كانت الإحصاءات في السابق تدمج البدون مع الكويتيين ولم يكن هناك تدقيق في هوية المبحوثين إحصائيا وبالتالي ربما لم تبدأ عملية الفرز الإحصائي لفئة البدون إلا من خلال أسئلة تقدم بها نواب في مجلس الأمة حيث جاء في رد وزير الداخلية على سؤال برلماني في 9 نوفمبر 1984 بأن عدد البدون يبلغ نحو 200000، كذلك جاء في تصريح لوزير التخطيط بجريدة آراب تايمز بتاريخ 8 أبريل 1989 بأن عدد البدون يصل إلى 225000 تقريبا.
كما تفيد البيانات الإحصائية لهيئة المعلومات المدنية أن عدد فئة «غير محددي الجنسية» وصل نحو (220) ألف نسمة في يونيو 1990 م، وتتميز هذه المشكلة بخصائص كثيرة لكل منها أبعادها التي يصعب التقليل من أهميتها، ويأتي في مقدمتها ما يلي:
-1 إن عدد الكويتيين المتزوجين ممن لا يحملون جنسيــــة محــددة وصل إلـــى (3024) كويتيا وعدد الكويتيات المتزوجات من فئة «عديمي الجنسية» وصل إلى (4036) كويتية.
-2 إن أكثرية فئة «عديمي الجنسية» من الأطفال الذين هم دون الخامسة عشرة ويمثلون نحو « 85 في المئة من العدد الإجمالي».
-3 إن غالبية فئة «عديمي الجنسية» من الأميين وذوي التعليم المحدود جدا، حيث بلغت نسبة من هم دون التعليم المتوسط «87 في المئة».
4 - إن الأسرة لدى فئة «عديمي الجنسية» تتسم بكبر حجمها، حيث يصل معدل الإعالة فيها إلى «7» أفراد في المتوسط، بينما لا يزيد عن «4.5» لدى الأسرة الكويتية، ولعله يمكن تقدير أهمية هذا الأمر فيما يشكله من أعباء اقتصادية وإرهاق للخدمات العامة في الحاضر والمستقبل.
5 - إن غالبية هذه الفئة تنحصر في جنسيات معينة، إذ أن مشروع استكمال الوثائق الخاصة من غير محددي الجنسية أدى إلى التثبت من جنسيات (27.470) فردا أي (12.5 في المئة) من إجمالي الفئة، ولم تكن الحكومة قبل عام 1989 قد أعلنت عن عدد محدد لفئة عديمي الجنسية، ويرجح أكثر من مرجع علمي كتب حول البدون إلى أن الحكومة كانت تفتقر إلى الاحصاءات الدقيقة في هذا الشأن.
ولقد سبق أن قامت الدولة ببعض الخطوات باتجاه مواجهة هذه المشكلة، بدأت مع صدور قرار مجلس الوزراء سنة 1985م بإلغاء مصطلح «بدون جنسية» في المعاملات الرسمية وغير الرسمية واعتبار كل من لا يحمل الجنسية الكويتية «غير كويتي»، وقراره أيضا سنة 1986 بتشكيل لجنة لدراسة مشكلة غير محددي الجنسية، حيث وضعت بعض الإجراءات العملية الآنية ريثما يتم التوصل إلى معرفة الوضع القانوني لكل حالة على حدة وذلك بما يحفز أفراد هذه الفئة على إبراز هويتهم الأصلية وتصحيح وضعهم وفقا للقوانين السارية.
والواقع أن هذه الإجراءات أدت إلى نتائج إيجابية، حيث بادر نحو (16.900) فرد إلى تعديل أوضاعهم القانونية من خلال إبراز هوياتهم الحقيقية، كما تــم التوصـل إلــى اكتشاف الجنسيات الحقيقـــية لمــا يزيـد عـن (15.000) فرد آخر، إلا أن الغزو العراقي على البلاد حال دون متابعة تنفيذ الخطوات الإجرائية التي وضعتها اللجنة في شأن حل المشكلة على النحو المرسوم.
مجموعتان
ويؤكد د. العنزي على أنه يمكن تقسيم فئة البدون أو غير محددي الجنسية إلى مجموعتين: الأولى فئة «عديمي الجنسية القانونيين» أي التي لا تتمتع بأي جنسية (و ستبقى كذلك إلى أن تمنح الجنسية الكويتية أو تكتسب جنسية دولة أخرى) أما الثانية فهي فئة من أخفى جنسيته الفعلية وصعب إثبات انتمائه إلى أي دولة أخرى، مع تقبل الحكومة الكويتية لوضعه القانوني هذا لسنوات طويلة وهذه الفئة ستبقى بحكم عديمي الجنسية ويمكن أن يطلق عليها «عديمو الجنسية الفعليون» إلى أن يثبت أنها تتمتع بجنسية دولة أخرى، إما أن تمنح الجنسية الكويتية أو تكتسب جنسية أخرى وفي كل الأحوال فان أيا من المجموعتين السابقتين تصب في المحصلة النهائية وهي أن أفراد البدون أو غير محددي الجنسية في الكويت هم أشخاص لم يثبت بعد انتماؤهم لأي جنسية أخرى-والى أن يثبت ذلك- فهم لا يتمتعون، في ظل قواعد القانون الدولي القائمة بالحماية الدولية لأي دولة. وإذا لم يكن أفراد فئة البدون من عديمي الجنسية القانونيين - أي الذين لا يتمتعون قانونا بجنسية أي دولة- فانه ليس كل عديمي الجنسية القانونيين في الكويت هم من افراد فئة البدون فالفلسطينيون المقيمون في الكويت الذين يحملون وثائق سفر صادرة من بعض الدول العربية يعتبرون من عديمي الجنسية القانونيين لأنهم لا ينتمون - بالجنسية - لأي دولة عربية ومع ذلك فانهم غير مشمولين بمصطلح البدون
ويؤكد العنزي أن حكومة الكويت قد اعترفت بوجود هؤلاء الأشخاص وبمركزهم القانوني باعتبارهم لا ينتمون إلى أية دولة أخرى وقيدتهم في سجلاتها الرسمية على انهم من «فئة البدون» و«غير كويتيين» وأخيرا «غير محددي الجنسية» ورتبت لهم حقوقا وامتيازات خاصة بهم من دون الأجانب (كاستثنائهم من قانون الإقامة ومنحهم أولوية بعد المواطنين في التعيين في سلكي الشرطة والجيش)، وبناء على ذلك فإنه يقع على الحكومة الكويتية عبء دحض قرينة أن هذه الفئة عديمة الجنسية ولا يكفي القول «كونهم لا يحملون الجنسية الكويتية، فهم يتمتعون بجنسيات أخرى»، فهذه قرينة ناقصة إذ ان انعدام الجنسية وضع يقر به القانون الدولي، بل ويتعامل معه وحاول من خلال مجموعة من الاتفاقيات الدولية القضاء عليه أو على الأقل الحد من غلوائه.
مشروعية الإقامة
وتبدو مسألة مشروعية إقامة البدون ذات اشكالية خاصة حيث حاول العنزي مناقشة مشروعية إقامتهم من خلال قانون إقامة الأجانب رقم 17 لسنة 1959 والذي نصت مادته الأولى على عدم جواز دخول الكويت لأي شخص أو مغادرتها دون أن يكون حاملا لجواز ساري المفعول صادرا من الجهات المختصة في بلده أو من الجهات الدولية التي تعترف لها الكويت بهذا الاختصاص، ومؤشرا عليه بسمة الدخول من إحدى القنصليات المعهود إليها بذلك في الخارج, أما من يرغب في الإقامة في الكويت فعليه الحصول على موافقة وزير الداخلية (مادة 9)، ويعطى الحق بالإقامة المؤقتة بما لا يزيد عن خمس سنوات قابلة للتجديد لمدد مشابهة كذلك نظمت المواد من 16 إلى 22 مسائل الإبعاد، وكقاعدة عامة فإن للكويت أن تبعد من الأجانب من لا ترغب ببقائه على أراضيها وذلك بإحدى طرق الإبعاد بحكم قضائي ويسمى الإبعاد القضائي، والإبعاد الإداري.
استثناء
ومع أنه يفترض منطقيا وقانونيا أن تنطبق المواد المذكورة أعلاه على البدون، إلا أنهم تم استثناؤهم من ذلك التطبيق وفقا لمنطوق المادة 25 فقرة «د» حيث تم استثناء أفراد العشائر الذين يدخلون الكويت برا من الجهات التي تعودوها لقضاء أشغالهم المعتادة»، إلا أن الملاحظ بأن المادة المذكورة لم تعرف المقصود «بأفراد العشائر» ولا المقصود «بأشغالهم المعتادة»، وقد بررت المذكرة التفسيرية للقانون المذكور ذلك بأن العادات المرعية للبدو هي التي تستدعي هذا الاستثناء إلا أنه من غير الواضح إن كان المقصود هنا هو منح أفراد العشائر حقا بالإقامة أم تسهيلا فقط في قضية التنقل دون الحاجة إلى الحصول على وثائق السفر المطلوبة إلا أن وضوح النص القانوني يجعلهم مستثنيين من قانون الإقامة كلية، ومن ثم فلا يشترط فيهم الحصول على إذن إقامة وحيث إن الكثير من البدون ينتمون لما يمكن وصفه بالعشائر العربية، فإنهم بالتالي يدخلون ضمن ذلك الاستثناء سواء أكانوا حقا من تلك العشائر أم لا وقد تأكد ذلك من خلال قبول الحكومة الكويتية لذلك الوضع واعتبار إقامة البدون إقامة مشروعة دون أن يطلب منهم الحصول على تصريح بالإقامة طبقا لقانون الإقامة سالف الذكر، وقد أكد ذلك صراحة وزير الداخلية عام 1983 في رده على سؤال برلماني مبررا ذلك لاعتبارات إنسانية واجتماعية، حيث أكد في ذلك الرد والذي كان قد نشر في جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 25 يناير 1983، على أن البدون لا يخضعون لإجراءات الإقامة استنادا إلى أن قانون إقامة الأجانب رقم 17 لسنة 1959 قد استثنى في المادة رقم 25 منه طوائف من الناس من بينها أفراد العشائر الذين يدخلون الكويت برا من الجهات التي تعودوها لقضاء أشغالهم»، وفي إجابة عن سؤال برلماني آخر أكد الوزير على أن كل ما يتعلق بأوضاع هذه الفئة وحل مشاكلهم أولا وأخيرا أمر سياسي تقدره الدولة، ومن ثم فهي تعمل جاهدة في هذه الأيام للتوصل الى حل مشاكل هذه الفئة»، ومع أنه قد جرى تعديل تلك المادة بموجب المرسوم بقانون رقم 41/1987 تم فيه إلغاء تلك المادة إلا أن ذلك التعديل لا يمكن أن يمس الأوضاع القانونية القائمة، وذلك لأن التعديل يسري بأثر فوري، فالمادة السابقة أنشأت مركزا قانونيا لا يلغيه إلغاء المادة التي أوجدته، ولا يمكن في هذه الحالة إلغاء المركز القانوني الذي نشأ بسبب تطبيق المادة المشار إليها أعلاه إلا في حالتين الأولى: أن تنص المادة ذاتها على أنها تسري بأثر رجعي، وهذا لم يحدث، والثانية: أن تضاف إلى القانون مادة تنص صراحة على إلغاء المركز القانوني الذي نشأ في ظل المادة 25 (د)، وهذا كذلك لم يحدث، كذلك ومن خلال متابعة قام بها العنزي لموقف القضاء الكويتي من مسألة إقامة وإبعاد البدون يتضح أن القضاء الجزائي قد أكد هو الآخر موقفا مماثلا بالنسبة إلى البدون، ففي تاريخ 28 أبريل 1988 ألغت محكمة الاستئناف العليا حكما لمحكمة أول درجة بحبس وإبعاد ثلاثة من الأشخاص، أحدهم ينتمي إلى فئة البدون لارتكابهم تزويرا في محررات رسمية ولأنهم أقاموا في البلاد خلال خمس السنوات السابقة على يوم 8 مارس 1988 بطريقة غير مشروعة ودون الحصول على تصريح بالإقامة من الجهة المختصة، وكانت عقوبة الإقامة غير المشروعة الحبس لمدة ستة أشهر مع الشغل والنفاذ، وقد حكمت محكمة الاستئناف العليا بالبراءة للبدون من تهمة الإقامة غير المشروعة استنادا إلى أن الثابت من الأوراق أن المتهم من مواليد بادية الكويت سنة 1943 ويعمل فيها منذ 1959 وحتى تاريخ الحكم ولم يقم الدليل على أن إقامته حتى سنة 1987 كانت بطريقة غير مشروعة ومن ثم وجبت براءته من تهمة الإقامة غير المشروعة في البلاد.
ومما يؤخذ على الحكم السالف الذكر أن القاضي قرر براءة المتهم بسبب مشروعية إقامته في الكويت دون أن يحدد معيار المشروعية الذي استند إليه ويبدو وكأن القاضي قد افترض بأن ولادة الشخص في بادية الكويت مع عدم ثبوت انتمائه إلى دولة أخرى كافية بذاتها لإثبات انه من فئة البدون التي تعد إقامتها في الكويت من المسلمات القانونية التي ليست بحاجة إلى تفصيل وعلى ذلك كما يرى العنزي بأنه لا يمكن التعويل كثيرا على حكم محكمة الاستئناف المذكورة أعلاه لتحديد سبب مشروعية إقامة البدون. ولكن في القضية رقم 4910/1987 (جنح) كان القاضي أكثر وضوحا في حكمه فقد أسند الادعاء العام للمتهم في هذه القضية أنه في 6 نوفمبر 1987:
-1 دخل الكويت بصورة غير مشروعة من غير الأماكن المخصصة للدخول وبدون جواز سفر أو ما يقوم مقامه صالحا ومؤشرا عليه بسمة دخول.
-2 عاد إلى البلاد بعد أن أبعد عنها وبدون أن يحصل على إذن خاص من الجهات المختصة.
وقد طلب الادعاء العام معاقبته وفقا للمواد 1و4و19و24 من قانون إقامة الأجانب رقم 17 لسنة 1959 المعدل بقانون رقم 55 لسنة 1982.
وتتلخص واقعة الدعوى في أن المتهم وهو من فئة البدون كان قد أبعد إداريا إلى العراق مع أفراد عائلته في شهر يونيو 1987، ولكنه عاد وأفراد عائلته مشيا على الأقدام عن طريق البر وألقي القبض عليهم وقدم للمحاكمة بالتهم المذكورة أعلاه، وبعد أن اطلعت المحكمة على المستندات المقدمة من وكيل المتهم بالجلسة ... خلصت إلى ما يلي: «.. إن المتهم بدون جنسية ومن مواليد الكويت وكذلك الحال بالنسبة إلى زوجته وأولاده جميعا، ولما كان الثابت من كل تلك المستندات أن المتهم بدون جنسية وهذه الفئة تقيم بالكويت ولا يعتبر في المفهوم السائد بأنه غير كويتي أو أجنبي، ولم يقدم في الأوراق أي دليل على أنه عراقي الجنسية أو أنه يحمل أي جنسية أخرى غير الجنسية الكويتية ومن ثم كان وجوده بالكويت وجودا مشروعا شأنه في ذلك شأن المواطنين الكثيرين من فئة البدون جنسية وكان دخوله إلى البلاد دخولا مشروعا ووجوده فيها مشروعا وكذلك بات للاتهام المسند إليه على هذا الأساس على غير سند من القانون ويتعين القضاء ببراءته».
ويخلص د. العنزي إلى أن البدون لا يخضعون لأحكام قانون إقامة الأجانب ومن ثم فلا يجوز إبعادهم إداريا أو قضائيا، وأنهم يشكلون بذلك فئة وسطى بين المواطنين والأجانب وهذا الوضع لا تنفرد الكويت به وإنما هناك من السوابق التاريخية والقانونية ما يدعمه.
http://www.aldaronline.com/AlDar/AlD...rticleID=15709
المفضلات