السلام عليكم جميعا , اخوتي واخواتي الكرام سأعرفكم على بلدتي عبر هذه القصة وأرجوا أن تنال رضاكم

الحدود

اخضوضرت الدرباسية وأطرافها ببساط ربيعي، وبدأ الناس يخرجون لرعي ماشيتهم.كنت أنا وزميل لي بالقرب من صوامع الحبوب المتاخمة للحدود .(لولا المفرزة العسكرية القريبة منها لاستطاع الانسان أن يقفز من حائطها ويدخل الى تركيا).

يسألني زميلي عن الدراسة وعن المدة التي بقيت خارج البلدة لإكمال الدراسة وهل أستطيع التوظيف في صوامع الحبوب، باعتبار دراستي في مجـال الزراعة. أثناء الحديث التفتَ نظري الى ديك رومي يأتي باتجاهنا من الشمال.
انتابني شعور خفي وكأن هذا الديك هو قدري ، وتذكرت وعل سيامند تيبستُ في مكـاني وأنا انظر إليه .كيف نُتف ريشه وهو يريد ان يخرج نفسـه من بين الأسلاك الشـائكة الواقعة بيننا وبين تُركيـا وبعد محــاولات متكررة تخلص الديك أخيراً من أسـلاك ونزل إلينا فأمسكنا به.
ابتسم صديقي وقال:يا لطعامنا الشهي لهذا اليوم!!‍‍‍
وبعد فترة قصـيرة خرجت فتاة من الدار، تنظر هنا وهناك وكأنها فقدت شيئاً ما انتبهت إ لينا ونحن ننظر أليها
فاتجهت نحونا دون أن تبالي بالمفرزة العسكرية أو الحرس، نعم اتجهت إلينا وأنا مندهشٌ لجرأتها.
أنها فتاة عصرية لباسها يدل على أنـها من خارج البلدة الصغيرة.
اقتربت .واقتربت حتى أصبحت على بعد بضع خطوات على مقربة منا.سلمت علينا بالتركية . فقلت : ؟ tu kurdmanj,
فَرِحَتْ كثيراً لدى سماعها بذلك ورددت بلغتي:نعم إذاً أنتم كرد أهلا وسهلاً.
فقلت لها : ألا تخافين من العسـاكر .إذا رآك أحدهم سيطلق النار عليك ابتعدي رجاءً ألست من هنا؟
ردّت قائلة: من هنا ولكنني ادرسُ في مكان آخـر.
أوه، يا للصدفة وأنا ادرس في مكان آخـر غـير الدرباسية.ولكن ماذا تدرسين.
قالت :ادرس لكي أتخرج معلمة مدرسة(خوجة).
حسناً فعلتِ ، معلمـة ، ستُخرجينَ جيلاً يستطيعون التقرب من السياج وحتى قطعها أليس كذلك؟.
ضحكت وقالت:هل تعلم أنك جعلتني أنسى ما جئت ابحث عنه.فقد نسـيت الديك حيث خرجت لأفتش عنه لنذبحه .

- إذاً هذا الديك لكم ورفعته.
- نعم .نعم !إنه هو. ياله من إبليس ، كيف عبر الحدود ؟ .
- سأرده لكم ولكن بشرط ؟
- قالت : قبل ان أتكلم: عرفت شرطك أن لا اذبـحه وهذا وعد مني أن لا أذبحه مهما حصل.ولكن قل لي ماذا تدرس أنت .
- قلت: دراستي في مجال الزراعة ولكن..
- ولكن ماذا…؟ ألم تنتهِ منها…؟
- نحن يا آنسة مواطنون من الدرجةالأخيرة،توظيفنا صعب وحياتنا اصعب، ندرس ونتعلم،نغترب ونأتي إلى هنا – ثم أشرت إلى صوامع الحبوب - لنشتغل عتالين بدلاً عن التوظيف وقفتْ هنيهة دون حراك وكأنها تألمت لمأساتي.
وقالت : أريد منك ان تكتب عنوانك حتى أراسـلك وأعرف منك كل شيء فهل هذا ممكن؟.
أخرجتُ القلم وكتبتُ اسمي وعنواني على ورقـة صغيرة ووضعت بينها حجرة و قذفت بها إلى الجهة الأخرى ، رفعت يديها لي شاكرة.
فقلت:الباب التي خرجت منها لكم إذاً.
قالت : نعم لنا .
قلت: في أيام الربيـع نخرج عادة إلى هنا نتمشى ونريد ان نكـون قريبـين من الجبـل أكثر بإمكانك أن تخرجي يوم الجمعة حوالي السـاعة الخامسة على ذاك التل وأنا سأخرج و سأكون هناك قرب ال... - وأشرت بإصبعي إلى الاتجاه المطلوب - فبيتنا قريب من هناك.
أمسـكت بالديك ورميته وكأنني ارمي قطعة من قلبي لها وقلت:حافظي عليه.نَظرتْ إلي.لوحت بيدها وابتعدت شيئاً فشيئاً حتى دخلت الباب والتفتت إلينا ورفعت يدها مرة أخرى.
رجعتُ إلى البيت وصورتها لا تفارق ذهني وكلامها لا يفارق من مسمعي إنهـا نغمٌ لحنٌ موسيقي في أُذُنَي وبقيتُ كالتائه لأيام. وانتظرت وعشت لحظات أعدفيها الساعات والثواني وقد استعرت من صديق لي منظاراً.
وأخيراً جاء يوم الجمعـة واقتربت الساعة من الخامسة وقلبي يدق وتراودني أفكار شتى هل يا ترى ستأتي الى موعدها ، أم انها كانت مجاملة لا اكثر ولا اقل و نسيتني؟.
مازال المنظـار أمامي. وعيني لا تترك العـدسة وإذ يزداد خفقان قلبي وخانني اللاشعور وصحتُ بأعلـى صوتي إنها هي ..!…إنها هي انظروا…! انظروا جيداً إنها تخرج من الدار نفسها وتتجه نحو التلة المقصودة بالذات لوحتُ لها بيدي وقلبي يرقص فرحاً ، وكأنه يريد ان يخرج من صدري.
لوحتْ أيضا بيديها وبقينا هكذا نلوح بأيدينا حتى غابت الشمس و منذ ذلك الوقت،أراسلها وتراسلني ، حتى خصصت ألبوما لصورها وصور أهلها أنها تكتب كل شيء...كل ...ما يجول في خاطرها.. وحبنا يكبر وشـوقنا يزداد يوماً بعد يوم…ومـع ذلك لا أستطيع رؤيتها ولو مرة واحدة.
رؤيتنا للبعض فقط من خلال الصور والرسـائل ، ومناسـبات الأعياد من بعيد فقد كتبت لي ذات مرة تقول: لماذا لا تستطيع زيارتنا.فأبناء بلدكم يأتون إلى تُركيـا ألا تُحبني بالله عليك إذا كنت تحبني فاحصل لك على جواز سفر وتعالى اليَّ أنني بانتظارك، مشتاقةٌ لرؤيتك ، أنتَ قدري، فهل كتُبَ علي ألا أراك.
فقلت : يا حبيبتي ألم أقـل لك نحن مواطـنون من الدرجة الأخيرة. فأنا محروم من هويتي كإنسان ، محروم من أبسط الحقوق الإنسانية محروم من حق المواطنة فأين لي بجواز سفر كي آتي إليك. آه...أيتها الحدود اللعينة إنك لست من حديد،لأن الحديد يذوب،يتأثر بالبرد والحرارة وحرارة قلوبنا تذوب أقسى أنواع الحديد والسياج.



ومازالت القصة مستمرة