ترسخ في قناعة الكثيرين بأن الادب الساخر هو أدب الضحك والاستهزاء والهزل.
وصنفوه في المرتبة الثانية أو الثالثة على غرار أدب الأمثال الشعبية والزجل.
وإليكم نتائج بحثي في القاموس المحيط ولسان العرب ومحيط المحيط.
الساخر هي اسم الفاعل من فعل سَخَرَ,والمصدر هو الأسم الثلاثي سخر, على غرار قدر وحجر وقمر.
والعرب اطلقوا اسم سخر على المكان المنخفض والسخارة هي الأرض التي تتجمع فيها المياه الراكدة.
والاسم سخر بشكل عام يدل على الدونية والانتقاص والعيب والعجز.
وغالبا مايأتي الفعل سخر على وزن فعَّل بتضعيف العين بصيغة الزيادة والمبالغة.
على غرار قدَّر وعَّلم ودَّرسس.
وسخّر الشيئ اي ادناه وقيده وجعله طوعاً لأمره
والمصدر سخرفعله الماضي سَخَرَ والمضارع يسخَرُ والأمر أسخَرْ,على غرار دَرَسَ ويدرسُ وادرسْ.
وفاعله ساخر ومفعوله مسخور على غرار دارس ومدروس.
واسم المكان مسخرة واسم الاّلة سخّارة على غرار مدرسة ودرّاسة
إلخ إلخ إلخ ونأتي إلى الخلاف الكبير حول كلمتي سَخّر وسَخِرَ.
حيث يعتقد الكثيرون بانهما فعلان مستقلان لهما معنيان مختلافان ولا علاقة لواحد منهما بالاخر.
ويقولون بان سَخَّرَ هو فعل يدل على الاخضاع وسَخِرَ هو فعل يدل على الاستهزاء.
وهذا خطأ فادح وإليكم الدليل.
نقول سَخَّرَ زيدٌ عمراً وهنا سَخَّرَ وهو الفعل وزيدٌ هو الفاعل وعمرٌ مفعول به.
على غرار علَّم زيدٌ عمراً,ودرَّسَ زيدٌ عمراً وكل هذه الافعال بصيغة المبالغة والزيادة.
لكننا لا نقول سَخِرَ زيدٌ عمراً,بل نقول سَخِرَ زيداً من عمرٍ.
على غرار عَلِمَ زيداً من عمرٍ وتعِبَ زيداً من العملِ وهنا يكمن جوهر الخلاف فزيداً هنا ليس فاعلاً بل مفعولاً به.
والجملة سَخِرَ زيداً من عمرِ يكون فعلها هو سَخِرَ وفاعلها جملة ((من عمر)) ومفعولها هو زيداً.
ولمزيد من التوضيح اذكر مايلي.
علِم زيداً من عمر اي ان عمرًهو الذي اعلم زيداً وجعله عالما.
تعِب زيداً من العمل اي ان العمل هو الذي أتعب زيداً وجعله تعبا.
وسخِر زيداً من عمر اي أن عمراً هو الذي أسخر زيداً وجعله ساخرا.
وإليكم ايها السادة هذ المجموعة من الجمل لتتأملوها وتتمعنوا في ماعانيها.
ضَجَّرَ عدنان اصدقائه,ضَجَرَ عدنان مع اصدقائه ضَجِرَ الأصدقاء من عدنان.
نَخَّرَ الدود الغصن نَخَرَ الدود بالغصن نَخِرَ الغصن من الدود.
جَزَّعَ الوالي شعبه جَزَعَ الوالي مع شعبه,جَزِع َالوالي من شعبه
شَعَّرَ الشاعر أحساسه,شَعَرَ الشاعر بأحساسه,شَعِرَ الشاعر من احساسه.
اليس من الواضح ايها السادة بأن الكلمات التي تحتها خط جائت مفعول به
وبناءً على كل ماورد نلاحظ مايلي
إن كل من سَخَّرَ و سَخِرَ فعلان مأولان إلى مصدر واحد وهو سخر.
ومعنى سخر وكل اشتقاقاته لا تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى معنى الهزل او الاستهزاء.
وهذا يؤدي إلى ان الادب الساخرلا يعني البتة الأستهزاء او الهزل باي حال من الأحوال.
وإن كان هذا الكلام غير صحيح فكيف ينسب الله__جلت صفاته__إليه صفة الهزل عندما نسب إليه فعل السخرية.
وهنا يبرز السؤال الهام ماهو الادب الساخر وما هو تعريفه.
إن الادب الساخر بألأعتماد على ماجاء في القاموس المحيط ولسان العربو محيط المحيط.
هو الادب الذي يدني الكلمات ويقهرالمعاني ويجند المواقف ليجعلها طوعاً لأمره وإرادته في سبيل تحقيح اغراضه و أهدافه.
وهذا هو التعريف العادل والمنصف للأدب الساخر
وهذا مايجعل الادب الساخر ادب صعباً لا يقدر على الخوض في غماره إلا من تمتع بموهبة فطرية تجعله قادرا على تطويع الكلمات وقهر المعاني ورؤيةالموقف العادي من زاوية لايقدرعلى النظر منها الشخص العادي.
وقد يتسائل أحدكم: لماذا نضحك عندما نقرأ الأدب الساخر؟.
إن الضحك ايها السادة هو رد فعل لاإرادي لموقف مفاجئ او غريب أو لجملة غير عادية.
وما ان نتعود على هذا الموقف الغير عادي حتى يفقد القدرة على أضحاكنا.
تماما كالنكته لا تضحك عند سماعها سوى أول مرة.
فالكاتب الساخر يفاجئ قرائه بغريب الجمل والعبارات وهجين المواقف والتصورات.
وهنا تكمن نقطة ضعف الأدب الساخر وهي انه لا يصلح للقراءة إلا لمرة واحدة.
كم من مواقف وأحداث عادية نمرعليها يوميا دون ان نلتفت اليها,وياتي الأديب الساخر ليرينا اياها من زاوية جديدة لم نعتد عليها.
فنضحك ونفاجئ باننا نضحك من ما نفعله بأنفسا.
واخيرا أقول ليس شرطاً في الأدب الساخر ان يكون مضحك دائما فكم من أدب ساخر ابكى وادمى.
إن الأديب الذي يستحق ان يتربع على عرش الأدب الساخر.
هو الأديب الذي إما ان يجعلك تنقلب على ظهرك من شدة الضحك.او أن يجعلك تلصق صدرك بفخذيك من شدة القهر.
إنه الأديب الذي يفاجئ قرائه قبل أن يضحكهم
اللهم إن كنت قد أخطأت فأنت الذي لا يخطئ,وإن كنت قد أصبت فأنت الذي يجزء.
والسلام عليكم ورحمة الله
المفضلات