بسم الله الرحمن الرحيم
قيل أن مصطلح "مثقف"، نحته السياسي الفرنسي جورج كليمنصو (1841-1929) زعيم الجمهوريين الراديكاليين، ورئيس وزراء فرنسا (1906-1909)، (1917-1920)وكان سبب نحت هذا المصطلح، لتسمية نفر من "الصهاينة الفرنسيين" منهم أميل زولا، ومارسيل بروست، وأندريه جيد، الذين انتصروا للضابط الفرنسي اليهودي دريفوس، الذي لفقت له قيادة الجيش الفرنسي تهمة التخابر مع العدو الألماني، فحكم عليه القضاء العسكري بالنفي إلى "جزيرة الشيطان". وشقَّ هؤلاء الكتّاب عصا طاعة الأمة، وطالبوا بإعادة محاكمة دريفوس، وتمَّ العفو عنه. ومنذ ذلك الوقت، أصبح المثقف يدافع عن الحقيقة ضد الأمة، وعن الفرد ضد المؤسسات.
وحسب ما فهمت من الأسئلة الثلاث فإننا بحاجة إلى تحديد من هو المثقف وإعطائه دوره المناسب. إذ ليس المثقف بالضرورة هو كل من يحمل فكراً وعقلا مثقفاً ويقوم بترديد ما يحفظه ذاك العقل "التراكمي" في كل محفل أو محاضرة أو منتدي. بل إنه الإنسان الذي يبتكر ويُضيف إلى الأفكار السابقة؛ ويكون قادراً على الحكم على مصداقية الأفكار والرؤى التي يقرؤها. لذلك فإن من أولى مهام المثقف: "أن يكون قادراً على تحديد المواضيع والمساحات والربط بين الموقف الشخصي والموقف العام".
إن المثقف ليس شخصاً مشاكساً، بل إنه إذا لم يتحمل مسؤولية التنوير وإصلاح الأخطاء فإنه يتخلى عن دوره الأساسي؛ ويصبح مثله مثل فناني الأعلانات التي نراها عند الفواصل بين المسلسلات.
وهنا في واتا لا نستطيع استيعاب فكرة المثقف الوصولي أو المجامل أو المداهن أو غير المنصف أو ناقل الحديث السيئ أو "الجبان" الذي يخاف من شئ فيحجم عن أشياء أو المتحزب أو الساعي لتخريب المجتمع، أو الأسود القلب أو كاره النجاح لغيره. إن المثقف ما لم يكن صاحب قضية ويدافع عن جوانب الحياة المضيئة التي تدخل البهجة والسعادة في حياة المجتمع فلا يمكن اعتباره ضمن دائرة الثقافة الحقيقية. والمثقف الذي لا يدرك قيمة إسعاد الآخرين ولا يتعب في إظهار المفيد المُمتع لهم، فلن يكون في نهاية الأمر أكثر من "بوق"،

كما تقدم. إن إيمان المثقف بالقضية التي يدافع عنها يرتبط بدواخله وسيكولوجيته وتاريخ معيشته ونبل أخلاقه وقدرته على الاضطلاع بدوره التنويري الثوري وإشاعة روح المحبة وكل القيم الجميلة مثل: المحافظة على الحق العام والابتعاد عن المكونات السلبية للشخصية المنحرفة، والحياد والموضوعيه في تناول قضاياها خصوصاً إن كان ذاك المثقف ناقداً أو مؤتمناً على الإبداع الثقافي أو يطمح إلي التغيير.
إذن المثقف فدايئ والمثقف أداة تغيير إن لم يكن هو التغيير نفسه.
إذن المثقف ملهم وقدوة
إذن المثقف قائد

الحياة عمل وليس تأمل، والعمل الطيب خير من ألف من المقاييس المنطقية