لمذا لم تنجح النهضة في الحالة العربية؟
من أسباب عدم نجاح النهضة في الحالة العربية أنها كمشروع سياسيي، كانت ملغمة منذ انطلاقها في القرن التاسع عشر ميلادي. لقد انطلقت بمنظارين عرفا بالتوجه العلماني و التوجه السلفي. بهر الأول بمختلف مكوناته من ليبيراليين وماركسيين بما رأى في الغرب و بهر الثاني بالماضي. و مع مرور الأيام زاد كل منهما تطرفا و لم يتفطن، الاثنان، إلى كونهما خارج الواقع الاجتماعي. فأصحاب التوجه الأول ينظرون من خلال شوارع أوروبا غافلين عن العوارض الذاتية و طبائع العمران كخصائص اجتماعية و أصحاب التوجه الثاني يعيشون على وقع خطاب عمر ابن الخطاب غافلين عن قانون تبدل الأحوال. لهذا لم تنجح، في ثقافتنا العربية إلى الآن، الدولة الوطنية في بلورة الهوية الوطنية كانتماء للدولة الوطنية التي عجز ت عن إنجاز مشروع سياسي يهيمن على الوعي الجماعي فيشغله عن مشروع ألماضي و يدمجه في مشروع حداثة. لقد ظلت هناك قطيعة، في المجتمع العربي، بين مجالين " مجال النخب الحاكمة" و مجال المجتمع بمختلف مكوناته. لم يتمكن المجال الأول من إنتاج مشروع سياسي تلتف حوله جل مكونات المجال الثاني. كما لم تحسم مسألة العلاقة بالماضي و لم يتمكن أي من التيارين من الهيمنة و فرض اختياراته ليجبر الآخر على الانطواء و لو إلى حين. و ما كان لذلك خاصة لأن العقلية السياسية، عند التيار العلماني لم تكن بالنضج الكافي و رأينا حملة المشروع سرعان ما يغرقون في ما هو دون المشروع بكثير كالتناحر على المناصب و مآثرها ثم يصبح الزعيم هو المشروع و يصبح الإنجاز هو بقاؤه حاكما مدى الحياة و ظلل بذلك على المشروع الذي من حيث هو مشروع مجتمعي يستدعي الحوار و إقناع الناس بأطروحاته لا إقناعهم بوجوب بقاء الزعيم مدى الحياة و هي السبب الرئيسي في انقسام النخبة السياسية إلى موالية همها ما تقطف و معارضة لو وصلت إلى السلطة لمارست ما تعيبه على ماسكي السلطة اليوم.
كما لم يتمكن الخط السلفي من العمل الهادئ من أجل انجاز برنامجه فبقي الماضي و التراث الفكري السياسي مقترنا ببعض ومضات مضيئة في سواد تاريخ طويل من التسلط و القهر و استعباد الإنسان و إذلاله. و لو تأملنا الفترة التي نمر بها لوجدنا أنه عندما يتأزم الحاضر يكون الاستنجاد بالماضي أحد أبواب محاولة الخروج من الأزمة فينشط التراث و يحضر الماضي و يقع، في مرحلة أولى، الانشغال بالتاريخ بحثا عن أمجاد تظلل على واقع بخس ثم و هو الأهم تحويل ذلك المخزون التراثي إلى خزان طاقة للعمل على تثوير الحاضر و مغادرة وضعية الدون وهو دليل علة عدم التمكن من طبائع عمران الحاضر و من لم يدقق فحص العلة لا يتفطن لعلاجها.

الرأي المخالف لي يثريني.