شارون والفلاشا وبني اسرائيل ... والشيفرة الوراثية


"وجها لوجه مع شارون" قصة واقعية مشوقة كتبها الأستاذ يحيى الصوفي، تقرأها فتشعر وكأنك تشاهد فيلما سينمائيا من مشهد واحد، قام هذا الكاتب المبدع فيه بكل شيء، كتابة السيناريو، والإخراج، والتصوير، بل أنه قام بالتمثيل أيضا، وتنازع فيه بجدارة على دور البطولة مع الإرهابي الهالك أريئيل شارون.

وها هي أحداث الفيلم تجري أمامنا في صالة فندق دولي جميل من فنادق جنيف، ويقع على ضفاف بحيرتها، لكنه في النهاية فندق مثل أي فندق، ومثل كل الفنادق التي يعرفها معظمنا، مقاعد وثيرة، نزلاء كثيرون، بعضهم ذاهب، وبعضهم قادم، وبعضهم ينتظر، وآخرون يطالعون الصحف.

وبعد تمهيد وثائقي جميل، تبدأ الإثارة الدرامية مع دخول شارون ورجاله إلى صالة الفندق، حيث نشاهد ردة الفعل الأولى للكاتب في مواجهة هذا الموقف المباغت، ونشعر بدفقة الانترفيرون الهرمونية الأولى وهي تنتشر في أوصال يحيى الصوفي الكاتب والمثقف والمفكر العربي، وتبدأ في تنبيه خطوطه الدفاعية استعدادا لاحتمال الالتحام الذي بات ممكنا، وإن لم يكن أكيدا حتى تلك اللحظة.

ومنذ الانعكاس الأول لصورة شارون على شبكية عين الكاتب، بدأ حاسوبه الذاتي بالعمل، وخلال ثوان معدودات كانت الملفات والمعلومات المخزنة المتعلقة بشارون تتدفق ... المجازر الجماعية ... القصف الهمجي ... هدم البيوت ... قطع الأشجار ... الأمر الذي زاد من الشعور باقتراب الخطر، ورفع من وتيرة افراز الهرمون إلى الحد الأقصى ... وفجأة، اختفت معالم الصحيفة، واتجهت العيون مباشرة، وبشكل غريزي وغير إرادي نحو الخطر القديم الداهم ... والتقت العين بالعين ...

وفي هذه اللحظة بالذات تتحرك حواسيبنا الذاتية وتقوم باستحضار صورة شارون بوجهه القبيح، وابتسامته المصطنعة الباهتة، لنتمكن من مشاهدة المواجهة بين الصوفي وشارون، وبوضوح أكثر.

لا بد أن الشيء نفسه الذي حصل مع الصوفي حين لمح وجه شارون، قد حصل أيضا مع شارون حين لمح بعينيه الحريصتين الصحيفة العربية في يد الصوفي، ولا بد أن التفاعلات الكيماوية نفسها قد حدثت أيضا في جسم شارون الضخم، الأمر الذي جعل طبيعته العدوانية تدفعه إلى التصرف بشكل مختلف وسريع، وإلى التدخل بشكل مباشر وفوري من أجل مداهمة الخطر الذي استشعرت به خطوطه الدفاعية. لذلك فقد كان هو المبادر إلى كسر حاجز الخوف، ومواجهة الخطر المحتمل.

مرة ثانية، نشاهد شارون وهو يكسر حاجز الصمت، ويتحدث العربية باللكنة اليهودية ذاتها، ومع الابتسامة الصفراء الباهتة نفسها (بهكي ارابي بس ما بعرف اكرا ارابي)، ويحاول وهو في عجلة من أمره، وبمنطقه الصهيوني الأعوج مثل لسانه أن يصدم عدوه العربي بملخص خاطف للحكاية الصهيونية التي يحفظها كل الصهاينة من أمثاله عن ظهر قلب.

لكن الصوفي يمتص الصدمة، ويعيد الكرة إلى ملعب شارون الذي يحاول إكمال القصة المفتراة إياها، لكن الصوفي يوجه إليه الصدمة تلو الصدمة، واللكمة تلو اللكمة، من فوق الحزام، ومن تحت الحزام، ومن حيث يدري، ومن حيث لا يدري.

الخلاصة لا رابط بين يهود اليوم ويهود الأمس، ولا رابط بين اليهود وهذه الأرض، وتأتي الحقائق متتابعة مدوية، وفي النهاية يفلس شارون، ويردد حجة المفلسين، ولا يخجل -وأنى له أن يخجل- من اتهام الساميين بأنهم يمارسون العنصرية ضد أنفسهم نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي .

بعد أن قرأت قصة هذا اللقاء مع شارون، تمنيت لو أنني كنت موجودا برفقة الصوفي في ذلك الفندق السويسري لكي أوجه إلى شارون سؤالا واحدا وهو:

"أنتم تدعون انتسابكم إلى يهود الأمس بني إسرائيل، وأنكم أحفادهم وورثتهم، وهذا ما هو إلا محض افتراء، ومجرد ادعاء. فالعلم قد تطور، وأنتم خير من يعلم بأن الشيفرة الوراثية (DNA) قد أصبحت الدليل القاطع على النسب، بدليل استخدامكم لها من أجل التوصل إلى أسر وأقارب الشهداء الفلسطينيين، فهلا أخذتم من عيناتكم، وحللتموها، وأثبتم لنا مشكورين نسبكم بيهود الأمس بني إسرائيل، أو حتى على الأقل نسبكم يا يهود اليوم بعضكم ببعض ... نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ؟"

منذر أبو هواش