المستشرقة البريطانية أرمسترونغ :
الإسلام لم ينتشربالسيف...
والجهاد قيمة روحية لا ترتبط بالعنف


القاهرة - محمد عبدالحي
كارين أرمسترونغ مفكرة ومستشرقة غربية وراهبة بريطانية سابقة وأستاذ في مقارنة الأديان، دافعت عن الإسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم باستبسال من خلال كتبها الشهيرة التي أبرزها «محمد نبي هذا العصر» و«محمد: سيرة نبي» و«القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث» و»معارك في سبيل الآلة الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام»، وغيرها من الكتب التي عرفها العالم الإسلامي من خلالها. وفي حوارها مع «الجريدة» أثناء زيارتها الأخيرة للقاهرة قدمت كارين أرمسترونج شهادتها التاريخية للعالم أجمع، مؤكدة فيها أن الإسلام ليس دين سيف ولم ينتشر بحده، وأن الغرب زيف المعنى الحقيقي للجهاد في الإسلام وربطه بالإرهاب والتطرف. وشددت على أن «ميثاق التراحم» صرخة عالمية يطلقها علماء الأديان للعودة إلى مبادئ الفضيلة، والمهمة الأساسية للجيل الحالي من العلماء هي بناء مجتمع عالمي، حيث يعيش كل الناس من مختلف الأديان والقوميات والأعراق معاً في انسجام واحترام متبادلين.
• تتبنين مشروع إطلاق ميثاق عالمي للتراحم بين البشر تشارك فيه شخصيات دينية عالمية، حدثينا عن هذا المشروع العالمي؟
- هذا المشروع المهم جداً كنت قد فزت بسببه بجائزة منحت لي من قبل مؤسسة TED، وهو عبارة عن رغبة في عالم أفضل يمكن لـ TED أن تساعد في تنفيذها، فطلبت منهم أن يساعدوني في خلق وإطلاق ونشر ميثاق للتراحم يشكله الناس من مختلف أنحاء العالم على الإنترنت، ويكتبه مجلس من القيادات الدينية لكل الأديان الرئيسية في العالم، وسيكون هذا الميثاق صرخة من القاعدة للعودة إلى مبادئ الفضيلة الرئيسية، مذكرا المؤمنين بأنه في الماضي كانت كل النصوص تنص على أن القاعدة الذهبية هي أساس الدين، وأن أي شيء آخر هو مجرد تعليقات، وأن أي تفسير للكتب السماوية يؤدي إلى الكراهية أو الازدراء هو أمر غير شرعي، وهذا الميثاق قد يقدم معيارا يستطيع عن طريقه العامة والقادة الدينيون والعلمانيون أن يقيسوا عليه سلوكهم، وعلاوة على ذلك فيجب أن يكون نداء للتحرك العملي الذي يمد به الجماعات بالقوة لمطالبة القساوسة والوعاظ بإلقاء تعاليم أكثر تراحما، واعتبار الكراهية أو الازدراء من أي نوع عملا غير ديني، والميثاق سيطالب بتغيير لغة الحوار فيكون التراحم هو المفتاح في الأحاديث العامة والخاصة، جاعلة من الواضح أن أي مذهب فكري يولد الكراهية والحقد، سواء كان دينيا أو علمانيا، قد فشل في اختبار زماننا.
• هل استجاب كثير من الناس من جنسيات وأديان مختلفة للدعوة إلى وجود هذا الميثاق؟
- في العام الماضي ساهم آلاف الناس من مختلف أنحاء العالم في الميثاق على موقع إنترنت متعدد اللغات، ومجلس تقابل في سويسرا في بدايات هذا العام، بدأ في وضع مسودة للميثاق، وتكون المجلس من قيادات مفكرة وناشطين في اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية والكونفشيوسية والهندوسية، وقد تفضل علينا مفتي مصر د. علي جمعة بالموافقة على أن يكون عضوا في المجلس، وحكمته كانت ذات أهمية عظيمة في مناقشاتنا، ومسلمو ماليزيا وباكستان وإيران وكينيا والولايات المتحدة وفلسطين كانوا أيضا ممثلين، وسيكون الميثاق عبارة عن تصريح قصير وبليغ ونداء للتحرك الفعلي الذي سيترجم باحترافية ويطلق في احتفال كبير في أواخر هذا العام.
• كيف نخرج من مأزق الاحتقان الحادث بين العالم الإسلامي والغرب؟
- كل فرد يؤمن بأحد الأديان الكبرى في العالم يؤكد أن التراحم هو قلب الدين، وأساس الأخلاق، والطريق إلى النور والإله، وهذه مثالية مشتركة في كل من له إيمان حقيقي ديني أو علماني حتى لو لم يكن يمارسها بشكل ثابت، والتراحم شيء صعب يتطلب عزيمة صلبة للخروج من مثلث الأنانية والمصالح الشخصية وحب الذات، وهذا شيء ليس بالجذاب في عالم اليوم، حيث سرعة الحصول على الشيء هي الأساس، وفي الإنكليزية كلمة التراحم «compassion» غالبا ما تفهم على أنها «شفقة»، ولكن أصولها اللاتينية تدل على معنى «الإحساس» أو «معايشة» الآخر، فكل تقليد ديني قد طور نسخته الخاصة به مما يسمى أحياناً القاعدة الذهبية، والتي أول ما صيغت على حد علمنا كان على يد كونفيشيوس في القرن السادس قبل الميلاد الذي قال: «لا تعامل الآخرين إلا بما تحب أن يعاملوك به»، وبنفس الروح قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وهذه القاعدة الذهبية تتطلب التطبيق خاصة في الوقت الذي أصبح فيه العالم المعاصر يعيش على فوهة بركان ملتهب من الصراعات.
• هل كان هذا الاقتناع المتجذر بضرورة التراحم بين البشر سبباً مباشراً في السعي إلى ما يسمى بميثاق التراحم العالمي؟
- بالتأكيد، خاصة أن أصوات التراحم الدينية قد طغت عليها أصوات أعلى للتطرف وعدم التسامح، والمهمة الأساسية لجيلنا هي بناء مجتمع عالمي، حيث يعيش كل الناس من مختلف الأديان والقوميات والأعراق معاً في انسجام واحترام متبادلين، فنحن في العالم الحديث مرتبطون جدا ببعضنا البعض ونواجه مشاكل مشتركة، فكلنا الآن جيران ومأمورون بأن نحب بعضنا بعضا، فتطبيق القاعدة الذهبية عالمياً أمر جوهري، فلو أن تقاليدنا الدينية لم تستطع مواجهة هذه التحديات، فإنها بصيغة كانتويل سميث، تكون قد فشلت في اختبار القرن الواحد والعشرين، فأي مذهب فكري ينشر الكراهية أو يتكبر بازدراء هو فاشل في تحدي العصر، ولكن للأسف فإن الدين كما رأينا غالباً ما يعتبر جزءاً من المشكلة، فبدلاً من التركيز على تبني روح القاعدة الذهبية، تركز القيادات الدينية غالباً على الواجبات الدينية الثانوية من استقامة العقائد وإقامة الشعائر، بل إن البعض يعظ بالكراهية ويقوي من الصور النمطية المشوهة الموجودة، نحن نحتاج إلى جهاد جديد، ليس بالطبع «حرباً مقدسة»، ولكن جهد بعزيمة لجعل التراحم في القلوب وكل تقاليدنا العريقة أمرا أساسياً وقوة مضيئة في عالمنا المستقطب بشكل خطير.
• كمستشرقة ومفكرة غربية كيف تنظرين إلى قضية الحوار بين أتباع الأديان السماوية؟
- أدعو إلى إجراء حوار لا يتسم بالعدوانية وإلى اتباع ما حثت عليه الديانات السماوية من التراحم بين كل البشر، واستشهد في ذلك بقول سيدنا عيسى عليه السلام «أحبوا أعداءكم» والآية الكريمة «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات: 13)، ويوجد كلام كثير هذه الأيام عن حوار، وبالفعل هو شيء أساسي أن نتعلم كيف نتحدث مع بعضنا البعض لنتشارك في رؤانا ونشرح أوجهاً من ثقافتنا وديننا أحيانا قد تخيف الغرباء، وهذه طريقة لتطبيق التوجيه القرآني في قوله «لِتَعَارَفُوا»، ولكن الحوار يجب أن يكون كما قال القرآن: «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (النحل: 125)، وهذا نادراً ما يحدث سواء في الخطاب العلماني أو المدني.
• كراهبة بريطانية سابقة أتيح لك قراءة الكتب السماوية، فماذا وجدت في القرآن الكريم بشكل خاص؟
- القرآن الكريم يحرم شن الحروب العدوانية، ويسمح فقط بالحرب في حالة الدفاع عن النفس، وينص على أنه في اللحظة التي يطلب فيها العدو السلام، فإنه على المسلمين وضع أسلحتهم وقبول التسوية حتى وإن كانت غير مرضية تماما بالنسبة إليهم، كما حرم على المسلمين الهجوم على دولة غربية يعيش فيها مسلمون يُسمح لهم بممارسة ديانتهم بحرية، بالإضافة إلى تحريم قتل المدنيين وتخريب الممتلكات وإشعال النيران في الحروب، والقيم الإسلامية الحقيقية هي السلام والمصالحة والعفو، والإسلام ليس دين سيف ولم ينتشر بحده، ولكن الغرب زيف المعنى الحقيقي للجهاد في الإسلام وربطه بالإرهاب والتطرف، فكلمة «الجهاد» لا تعني الحرب المقدسة، كما يعتقد البعض في الغرب، وإنما الكفاح والجهد، والمسلمون مأمورون ببذل محاولات واسعة على جميع الجبهات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعرقية والروحية لتنفيذ مشيئة الله، فالجهاد قيمة روحية لأغلب المسلمين لا ترتبط بالعنف.
إيلاف.