أيها السادة نعلن لكم اليوم في هذا اليوم المجيد في تاريخ شعبنا عن قيام دولة حوتستان ، ورغم كل محاولات من سعوا لإجهاض هذا الحلم إلا أنه قد تحقق أخيرا على أرض الواقع، ولا يسعنا في هذا المقام إلا تقديم الشكر لكل الحيتان المناضلة التي منحتنا ظهورها طواعية لإقامة هذه الدولة في المحيط، ولا ننسى أن نشكر الحيتان التي تبرعت بها المنظمات الدولية، والمنظمات نفسها، ونعاهدكم على إقامة دولة العدل والسلام، دون انحياز لإي قوة أو معسكر، بل سنكون رسل محبة ووئام، عاشت دولة حوتستان المتحدة حرة مستقلة.
ثغت الشياه محتجة على تطفل مستشار دولة حوتستان السيد حمار على طعامها، فقد رأى الحمار أن البرسيم الموجود أمامها ربما يكون أحلى مذاقا من الذي أمامه فاختطف منه حزمة مثيرا بهذا التصرف الأرعن موجة احتجاج بين قطيع الماعز.
رمق عنترة بن شحاذ مواطن دولة حوتستان الوحيد الحمار بنظرة مستاءة وقال:
- أن واحدا من الأسباب التي جعلتنا نعلن قيام هذه الدولة في هذا المحيط يا حمار هو الظلم، هنا لا مجال لأن يعتدي أحد على الآخر، هل فهمت؟ أم نطلب من احد الحيتان حملك بعيدا عنا ونفيك من هذا المكان؟
قال الحمار بتأفف:
- أنا لا أفهم يا سيدي، ادام الله مجدك، السر في وجود هذا القطيع من الماعز هنا؟
أجاب عنترة:
- هل نسيت أنك داخل دولة و لابد للدولة من وجود شعب؟ هناك شئ آخر يا سيد حمار هو كيف سنجري استفتاءً على الرئاسة بدون اصوات هؤلاء؟ من أين سنأتي بتسع وتسعين في المائة؟
- وهل تريد يا عنترة نفيي إرضاءً للماعز؟ هل تريد اقصاء مستشارك ومتنه الذي يساعدك في التنقل بين ظهور الحيتان المتراصة، هل نسيت أنني الشخص الثاني في دستور حوتستان؟ أم هل تظن أن ذاك التيس المشغول بالتودد للغنم سيقوم بما أقوم به؟
قال عنترة متراجعاً بعد سماعه هذه المرافعة القيمة من الحمار:
- ولكن يا حمار لابد من احترام القانون...
في خضم هذا الجدل الدائر بين عنترة والحمار ارتفع صوت صافرة ثم ظهرت سفينة تحمل العلم الإسرائيلي، اقتربت السفينة من حدود الدولة وما هي إلا لحظات حتى جاء قارب منها على متنه شخص، عند وصول هذا الشخص عرف نفسه بانه السفير الإسرائيلي الجديد، وأنه جاء لتقديم أوراق أعتماده لرئيس الدولة.
احتج الحمار وقد رأى أن منصبه كمستشار سيكون في كف عفريت في ظل وجود سفراء، فقال:
- لكنا لم نعلن عن قيام دولتنا إلا منذ خمس دقائق فقط وهي لا تكفي حتى لمحرري الأخبار في وكالات الأنباء لصياغة الخبر
قال السفير:
- بالنسبة لنا هذا هو الزمن المطلوب الذي نحتاجه للوصول إليكم، لا تقلقوا، وجودنا سيكون مفيدا لكم ولدولتكم الصديقة، سنوفر لكم علف الماعز، ستكون وجبات الأستاذ حمار من أرقى فنادق النجوم الخمسة باسلوب هوم ديلفري، وسنقدم للحيتان وجبات مجانية من الأسماك الطازجة على مدار العام، وبالنسبة لك أنت يا سيد عنترة فنرجو منك أن تنسى شيئا أسمه عبلة، لأن كل عبلات الدنيا ستكون رهن إشارتك وبحركة من اصبعك، نحن نعرف شمائلك وتكرمك إذا صحوت، وأنك لن تقصر عن ندى، لكن الأفضل لنا ألا يحدث أى نقص في امدادك بالفودكا والويسكي، فلا مشكلة لدينا أبدا في ان تكون (سكران طينة) كل فصول السنة.
تلفت السفير حوله ثم قال هامسا:
- ان احتجت يا سيد عنترة لإسلحة فنحن جاهزون.
تساءل عنترة:
- أسلحة..لماذا ؟
قال السفير:
- هل تضمن أن هذه الأغنام لن تتمرد عليك يوما ما؟
ثم غمز بعينه وكأنه يقول لعنترة لاتنس أن تضيف الحمار لقائمة المتمردين.
قال الحمار وهو لايزال غير مقتنع بوجود السفير:
- قد نواجه يا سعادة السفير ازمة إسكان فدولتنا الوليدة لا يوجد بها فنادق، ولكن هذا لا يعني أننا لا نرحب بسفارتك، بل نتساءل لماذا لا تقيم على ظهر سفينتك وتمارس عملك من هناك؟
أجاب السفير
- افكار الحمير تجد قبول لدينا، وقد سمعت أن معلوماتك في القانون الدولي جيدة، ولكن يا أبا الجحش، حفظ الله لك أبنائك من الجحوش والجحشات، عليك أن تفهم أن السفير المعتمد لدى دولة من الدول يجب أن يمارس عمله في أراضي تلك الدولة، الباخرة تعتبر أرضا إسرائيلية وعملى يجب أن يكون عندكم هنا في حوتستان، وعلى أى حال لن أكون السفير الوحيد لديكم، أنظروا هناك ثلاثة أعلام في الطريق إليكم يبدو أنها امريكية وبريطانية وفرنسية
تبادل عنترة وحماره النظرات، وما هي إلا لحظات حتى كانت القوارب تشق عباب الماء ثم ترجل منها السفراء.
- هالو شالوم
- هالو جورج
- هالو كلود
- هالو جون
ومن القلب إلى القلب تبادل السفراء الهلوات، وتعاهدوا على كتم الهفوات، ثم اعلنوا فورا دون خذ وهات، أعترافهم بدولة حوتستان طالبين إقامة الصلات، واستعداد الأسرة الدولية لتقديم العون وقمع المظاهرات، إن قامت بها المعارضة حاضرًا أو مستقبلاً ورأسها قد إمتلأ بالترهات.
تلفت عنترة حوله ليرى أين هذه المعارضة التي يتحدثون عنها، ثم تساءل:
- هل قلتم معارضة؟
قبل أن يكمل جملته تحرك الحوت الذي كانوا يقفون عليه وأهتز المكان فأصيب الحمار بالذعر ولكن شفتا السفير الأمريكي كانتا تستضيفان ابتسامة كبيرة، قال السفير لعنترة:
- هل سألت عن معارضة يا عنترة؟ هذا نموذج عملى للإضطرابات التي ربما تقف خلفها المعارضة، لا أحد يدري متى تزلزل الأرض تحت أقدامه.
نهر السفير الأمريكي الحوت المتململ موبخًا إياه باللغة العربية، مستعرضًا مهارته فيها أمام مسامع عنترة، قال السفير للحوت:
- إخسا أيها الوغد السافل..
غير أن الحوت ظل في حالة تململ، فاضطر السفير إلى توبيخه بصوت عال باللغة الأنجليزية:
- you son of a bitch
وما أن سمع الحوت هذا السباب باللغة الأولى، لغة القطة الأولى والجرو الأول، حتى استكان، قال الحوت معاتبا السفير:
- يا سعادة السفير لماذا تأخرتم في شتمنا بهذه اللغة الراقية من المرة الأولى؟ إذن لوفرتم علينا جهد التململ ووفرتم على أنفسكم جهد ارتفاع ضغط الدم، ألف لا بأس عليك يا سيدي.
ثم اعتذر الحوت بشدة عن تململه وعزى ذلك لكون حافر الحمار اللعين قد تمركز على أم عينه.
إرتفعت فقاقيع الهواء بصورة ملفتة على سطح الماء فنهق الحمار مستفسراً، جاءه الرد من حوت شاب بالقول:
- بعض الحيتان غير المؤدبة تضحك من كون بلد المقر مجرد (bitch من نسل bitch) في نظر السفير.
أدرك السفير حينها أنه ارتكب خطا دبلوماسيا كبيرًا لذا فقد سارع إلى القول أن اقواله قد اجتزأت من سياقها وتم تحريفها بفعل فاعل وأنه قد طلب من الحوت أن يصون البشر ولا يبطش بهم وما ورد على لسانه بالحرف الواحد هو (صن و لا تبطش)، وقد تضامن بقية السفراء مع زميلهم ووقعوا على بيان تصحيحي مشترك يقطع الطريق امام المزايدين.
تلفت السفير الإسرائيلي حوله باحثا عن مكان مناسب لرفع العلم عليه وبقية السفراء في غفلة عما يخطط له سعادته، وأخيرا وقع اختياره على حمالة سيف عنترة التي كان يعلقها على كتفه، إذ رأى السفير أنها مكان جيد لنصب العلم الإسرائيلي عليه، صعق عنترة لسماع هذا الطلب، و لكنه كاد أن يغمى عليه عندما اكتشف أن سيفه غير موجود أصلا في مكانه، وحين قام بتقصي الحقائق وجد أن التيس قد تمنطق به ليشهره في وجه معزة رفضت التجاوب معه.
جن جنون عنترة وقد رأى أن سيفه قد اصبح لعبة في يد التيوس، وزاد من جنونه رفض التيس تسليم السيف له، لكن التيس حين رأي عزم عنترة على إنتزاعه منه بالقوة وقف خلف السفير الأمريكي ثم أخرج هاتفه المتنقل بسرعة من جيبه وقام بالاتصال بعدة وكالات للأنباء معلنا نفسه فصيلا مسلحاً، وقال أنه سيطالب بدولة خاصة بالماعز اسمها ماعزستان، قرر عنترة استخدام القوة مع التيس المتمرد، فاتجه إليه والشر باد في عينيه، لكنه فوجئ بالسفراء يستخدمون حق الفيتو، لقد رأوا أن التيس في حماية زميل لهم ولا يجوز استخدام القوة معه.
قال السفير الفرنسي:
- التيس يا عنترة يحتاج للسيف لضرورات عملية ليضمن ممارسة حقه المكفول في الفحولة، و لكن ماذا تستفيد منه انت؟ هل تريده لتمارس به الإرهاب الذي كنت تقوم به في الماضي ضد عبس وذبيان وغيرهم من أبرياء العرب ومساكينهم؟
- ماذا أستفيد منه؟ انه سيفي، إنه سيفي يا أمم..
- هو سيفك طالما هو بيدك، أما وقد انتقل ليد الغير فهو سيفهم، هذا هو القانون الدولي، أليس الأمر كذلك يا مستر حمار؟
- هز الحمار رأسه مؤكدا صحة البيان الفرنسي.
قال السفير الفرنسي:
- من المدهش يا سيد عنترة أن نكتشف أن حمارك يفهم القانون الدولي بشكل أحسن منك؟
طرب الحمار لهذا الثناء الآتي من عاصمة النور والحضارة، لذا فقد قرر أن يقوم بتطبيق عملي للقانون الدولي أمام سفراء الدول الكبرى للبرهنة على تضلعه فيه، فتقدم نحو التيس، وسحبه من موقعه وراء ظهر السفير، ثم وجه له رفسه أخرجت كل ما في بطن التيس من برسيم، وأخرجت معها من رأسه كل الدعاوي الإنفصالية، ثم تناول السيف منه وقدمه لعنترة بكل احترام، سر عنترة جدا وبانت نواجزه لغير تبسم، ليس بسبب عودة سيفه له، بل لأنه رأي بأم عينيه أن القانون الدولي لم يحدث فيه تغيير منذ حرب داحس والغبراء، وكان ظنه حتى هذه اللحظة مغايرا لذلك، لذا داعبت خياله إمكانية أن يغير على هوازن وكندة تحت مظلته مستقبلا، لكنه وفي ظل عدم تأكد عنترة من كيفية تطبيق القوانين فقد تساءل:
- لماذا منعتوني يا سفراء من مهاجمة التيس وسمحتم بذلك للحمار؟
تنحنح الحمار وقال:
- يا عنترة يا رئيسي المفدى، لماذا هذه التياسة؟..الم تسمع بالكيل بمكيالين؟؟
كسب الحمار احترام الجميع لنبوغه في القانون الدولي وتوجهت أنظارهم لحوافره القوية عدا السفير الإسرائيلي، لقد غاظ السفير الإسرائيلي عودة السيف لعنترة خصوصا وأنه قد راهن على حمالة السيف لتكون مقرا للعلم الإسرائيلي لذا قال::
- إعترافنا بدولة حوتستان مرهون بخلوها من اسلحة الدمار الشامل والأسلحة التقليدية، هذا السيف يجب الأ يبقى هنا، وإلا فاننا سنكون مضطرين للإبقاء على جميع الخيارات مفتوحة.
مرة أخرى عاد الحوت الذي يقفون عليه للتململ، بدت نظرة ضيق على وجه السفير الامريكي ولكن الإبتسامة المرسومة على وجه السفير الأسرائيلي أقنعته بالتريث ليري نهاية الموضوع فربما كان وراء الأكمة ما ورائها، قال السفير الإسرائيلي:
- عليك ان تعرف يا سيد عنترة أن كل هذه الحيتان المتبرعة بظهورها لك وتلك الممنوحة لك من منظمات دولية هي حيتان إصطناعية يمكن تحريحكها بالريموت كنترول، عدا هذا الحوت الذي نقف عليه فهو الحوت الوحيد الطبيعي، لكن لا تفرح كثيراً، هذا الحوت يا سيدي الرئيس عنصر في الموساد.
أخرج السفير الريموت كنترول من جيبه وقام بتحريك بعض قطع الحيتان فتفرقت في اتجاهات متعددة
صعق عنترة لما شاهده وصوب نظرة مستنجدة نحو مستشاره الحمار، قال الحمار :
- أفضل مستقبل لدولة حوتستان يا سيدى عنترة وحتى لا تتعرض للحصار ولا للقصف بالصواريخ هو تحويلها إلى منتجع سياحي.
أيد السفراء هذا الموقف، وأضاف السفير البريطاني:
- هذا الماعز سيوفر لحماً طيباً لحفلات الشواء.
إرتاع عنترة لسماع هذا التعليق وقال:
- هل تريدون مني تحويل شعبي إلى كفته ومشويات وسندويتشات؟؟
توجه الحمار نحو عنترة ثم وجه إليه رفسة لا تقل في قوتها عن الرفسة التي وجهها للتيس، كانت من القوة بحيث جثا عنترة على ركبتيه، وسقط سيفه أمامه، قال الحمار:
- كم مرة يا عنترة سنكون فيها مضطرين لشرح القانون الدولي لك؟؟
المفضلات