البريئة والمذنبان

[عبدالقادربوميدونة]

البريئة والمذنبان
زهراء فتاة جنوبية المنشأ مشرقية الانتماء حضارة ودينا ..لا تعرف عن عالم الذكورة شيئا.. ترعرت في حضن حضارة وثقافة وعادات وأعراف عريقة متأصلة.. وقيم دينية فهما وسلوكا.. تميزتصرفات زهراء الحشمة والوقار..
كانت تعيش عيشة راضية بين أحضان أهلها في قرية هادئة..
تتبادل مع أخواتها الأربع: رشيدة، سناء، سعاد وفريد حكايات مخالفة للمألوف وللمتعارف عليه عمدا ..وبذلك أضحت تعد مصدرا ثابتا ومخزنا ثريا لبعث السرورفي نفوس أفراد أسرتها المتماسكة اجتماعيا واقتصاديا.. ومن حين لآخر كان يحلولها مداعبة أمها.. فاطمة فتثير قلقها تارة ..هذه الأم التي أرهقتها شؤون البيت ومتطباته ومطالب الأبناء اللامتناهية.. ومن فترة لأخرى كانت زهراء تسابق أختيها الصغيرتين في خدمة الأم ..فلا يستطيعان مجاراتها في ذلك..
لقد كانت نعم الفتاة خُلقا وخِلقة ..حباها الله جمالا إضافيا تميزت به عن نظيراتها وزادها بسطة في جسدها المتكامل الأشكال والأبعاد الهندسية.. رشاقة وخفة تحاكي الحمام في مشيته..جمالها يسبي الأنظار..لم يعرف جسدها لا تزيينا ولا مساحيق.. خدود تنافس ورد بن نعمان في حمرته وعيون فرعونية المساحة اتساعا اشتد سوادهما والبياض معا..وذلك ما كان يزرع الخوف في نفس أمها خشية من عين حاسد أومن كيدغيور..
بعد أن تجاوزت زهراء ثمانية عشرسنة من عمرها اكتشفت جمال أنوثتها ومتطلباته وأحست بحاجة غريبة وملحة كانت تدفعها إلى التطلع لمعرفة أسرارأي رجل تراه على شاشة التلفزة.. وكانت كلما انتهت من مشاهدة حصة أو فيلم إلا وطرحت أسئلة متنوعة تتعلق بطبيعة الرجل وعن الكيفية المثلى للتعامل معه.. وبعد تساؤلات كثيرة واستفسارات متعددة تبادلتها مع أخواتها الثلاث أدركت أخيرا أن هذا الأمرالمحيرالذي طرأ على أحاسيسها ومشاعرها ما هوسوى شأن طبيعي بل آية من آيات ما أودع الله في خلقه..
وفي أحيان أخرى تحدثها نفسها بأشياء غريبة تدعوها للتمرد على نصائح أمها..ولكن تربيتها الدينية العميقة وأخلاقها الراقية كانت تقف دائما حاجزا في وجه أية مغامرة قد تضعف أمام مغرياتها..
أما أعين أمها فلا تكاد تبرح ساحتها بمراقبة صارمة لكل حركاتها وتصرفاتها .مسجلة في ذاكرتها أي تحول أو تغيريطرآن على سلوك ابنتها.. فكانت ترشد وتنصح وتتساءل عن مصدرأي سلوك جديد..
وتمني نفسها داعية راجية في صلاتها من العلي القديرأن يهب ابنتها عريسا متكامل الشخصية.. قوي البنية، ترضاه لعزيزتها الحسناء.. زهراء ..زهرة البيت النضرة ووجهه المتألق ودرته النفيسة..
وذات يوم استيقظت الأم فاطمة على تصرف غريب صدرعن ابنتها ..
إذ عوضا من أن تقول لأمها صباح الخير تلفظت بعبارة ممجوجة اجتماعيا وتعتبر - في كثير من الأحيان - تجاوزا لكل حياء:
ضاعت الحياة
الأم: صباح الخير يا ابنتي هل غسلت الأواني؟
زهرة : ضاعت الحياة
الأم: نعم؟.. نعم.. ماذا قلت؟
زهراء : ضاعت الحياة
الأم: ما هذا الهراء الذي تتلفظين به يا بنتي؟
الفتاة : ضاعت الحياة
وكررت كلمتها هاته التي لم تتلفظ بغيرها لمدة ثلاثة أيام كاملة..
ولما لم تجد حيلة لاستيعاب ما طرأ على نفسية إبنتها اشتكت أمرها إلى أبيها مستنكرة الكلمة " العيب "
الأم للأب:لقد صارت ابنتنا تردد ألفاظا تعتبرعيبا كبيرا لدى الكثير من العائلات..لا يصدق الأب في أول الأمر ثم يتوجه إلى ابنته مباشرة
الأب : ما بك يابنيتي؟ أصحيح ما تقوله أمك عنك؟
الفتاة : ضاعت الحياة
الأب: آه.. يا دنيا .. يا ابنتي لقد سكنوك هؤلاء العفاريت.. الله يستر...
الأم والأب يتفقان على ضرورة عرض ابنتيهما على إمام المدينة ليرقيها لعل شيطانا ما أصابها بمس
الإمام لزهراء: ما بك يا بنيتي ؟إن كنت تريدين شيئا ما.. وتخشين البوح بذلك لأبويك فاذكريه لي أنا وأعدك بتحقيقه..
الفتاة : ضاعت الحياة
الإمام :أتريدين الزواج؟
الفتاة : ضاعت الحياة
وبعد أن يئس الإمام من محاولاته تلك نصح أباها بضرورة الذهاب بها إلى طبيب نفساني عله يجد حلا لهذا اللغز المحير..
عندما دخلت زهراء عيادة المحلل النفساني حاورها هذا الأخيرمرارا.. وبأساليب وحيل مختلفة لكن دون جدوى.. وبقيت الفتاة مصرة على قولها ولا تردد الا عبارتها المعهودة "ضاعت الحياة "
أعاد محاورتها مرة أخرى وبطرق متعددة وبأساليب علمية، غاية في التعقيد طارحا على مريضته أسئلة مفخخة ظنا منه أنها ربما تجعلها تبوح بعبارات تفيده في بحثه وقد تقوده بالضرورة الى معالم مفيدة في تحليل نفسيتها ومن ثم الوصول إلى العوامل الأولية التي كانت سببا في بروزهذاالمشكل.. لكن كالعادة دون جدوى.. اقترب منها وحاول نزع بعض ثيابها باحتشام وتردد . ولكن الفتاة لم تبد أي اعتراض .. فتمادى، فتشجع وواصل خلع بقية الملابس الخارجية منها وكذا الداخلية.. لعل شيئا ما يكون بجسدها وهو سبب المحنة..
انتهى من خلع آخرقطعة كانت ترتديها وفي هذه الأثناء وباعتبارالفتاة كانت تفيض أنوثة وجمالا رائعين.. ولم يتمكن من مقاومة انتصاب جهازه التناسلي.. فاقترب أكثرواستقال ضميره من وظيفته وانعدم الإحساس بالزمن وسلطان القيم والأخلاق عنده.. ووضع آلة الإنجاب لديه على موضع أعزما تملكه أية فتاة.. فأبدت زهراء تمنعا وهي الراغبة.. واعتقد في نفسه أنه نال ما لم يكن في حسبانه ووقعت الواقعة
المحلل النفساني : ألا تقولين الآن ما بك ؟
أهذا ما تريدين؟.. وقد أزعجت أهلك جميعا وحيرت أمك وأباك؟
قالت زهراء :ضاعت الحياة يا عدوالله.. ثم ابتسمت فاستبشرالمحلل النفساني خيرا وأيقن ان العقدة قد حلت ..ألح عليها لتصارحه بالحقيقة، كل الحقيقة التي جعلتها لا تردد إلا عبارة" ضاعت الحياة "
قالت زهراء: الآن سأخبرك بالحقيقة..
كنت أعيش مع أهلي عيشة راضية وفي يوم من الأيام زارنا ابن عمي المقيم بديارالغربة فأعطاني حبة حلوى على شكل قرص صغير.. وبعد أن تناولتها لم أعد أعي شيئا .. ربما نمت.. ثم أدركت أني فقدت عذريتي.. فغضبت وطالبته بضرورة التقدم لخطبتي فوافق على الفور.. ولكنه عندما غادر بيتنا أخبرني بخبرأذهلني وأهلكني.. أنه مصاب بفيروس الأيدز...
وفي هذه الاثناء أطلق المحلل النفساني العنان لصرخة مدوية رددت صداها كل جدران عيادته.. أسرع الأب من كانوا ينتظرون دورهم للقيام بعملية الفحص والمعاينة.. يتساءلون عما جرى للطبيب المحلل النفساني..
فخرج إليهم وقد برزت عيناه وكأنه يرى الموت مجسدا أمامه ..
أول من التقى به على عتبة الباب..كان أب الفتاة الذي سأل عما جرى لابنته فكان جواب الطبيب المحلل :
ضاعت الحياة.. ضاعت الحياة...
الأب: يا حكيم ما بها ابنتي؟
الحكيم:ضاعت الحياة.. ضاعت الحياة.

[ابراهيم عبد المعطى داود]

ضاعت الحياة
بين بريئة ومذنبان
أحدهما مجرم عتيد فى الإجرام أعطاها حبة حلوى على شكل قرص فسلبها أعز ماتملك !
والثانى طبيب نفسي أغراه شيطانه فأتى بها فسلبته أعز مايملك
ترى هل هي بريئة أم مذنبة هي الأخرى --؟
هل نضع عنوانا جديدا للنص ( المذنبون )
تحية عاطرة
ابراهيم عبد المعطى

[مجدي السماك]

اخي بوميدونة ..تحياتي لك مبدعا
القصة ممتازة تعالج الكثير من القضايا الاخلاقية .
تحياتي لك

[عبدالقادربوميدونة]

الأخ: ابراهيم عبدالمعطي داود:
هاك دون تردد قبلتين على الجبين ..والله في عون الجميع لخدمة ما نعتقد أنه حق ..
المهم ما رأي كل من قرأها شكلا.. أما المحتوى فكل من يملك قدرا من الوعي الكافي باستطاعته التصرف في محتوى القصة وتوجيه الأحداث فيها كما يحلوله.. المهم ما العناصر الفنية التي كان من الواجب توفرها في كل قصة مثل هاته؟
فقد تعمدت غض الطرف عن تحديد المكان والزمان واسمي الأب والطبيب.. فهل أخل ذلك بموضوع القصة وشكل السرد الفني أم لا ؟ الرأي لكم
تحية جزائرية ثورية

[عبدالقادربوميدونة]

الأخ الكريم
مجدي السماك
تحية فورية حارة ولكم مني الشكر و الاحترام أيها الزميل المثابر الباحث

[عبد الرشيـد حاجب]

العزيز عبد القادر

كيف لم أعلم سوى اليوم أنك تبدع في القصة كما أبدعت في المقال

حرام عليك يا أخي.

القصة الجميلة منشورة أمامي منذ عام هنا وأنا لا أدري !

قصة رائعة تستحق القراءة التحليلية حقا.

لكن بعد مناقشات على الخاص.

تحياتي لك أيها المبدع.

[ناهد يوسف حسن]

قرأت هذه القصة قبل الآن في مكان آخر
ولم أكن أعلم أنك كاتبها
سأرى إن كان كاتبها نسبها لك أو لنفسه
تحياتي

[مريم محمود العلي]

قصة هادفة سرديتها أنيقة
وتمتلك كل مقومات القصة القصيرة
كثيرا من الأحيان نختار أحداثا هامة من الحياة ونجسدها في قالب قصصي لتكون عبرة وموعظة
وقد استطعت أن تفعل ذلك
كل الشكر والتقدير لك أخي أستاذ عبد القادر

[عبد الرشيـد حاجب]

أخي الدكتور مسلك ميمون

صديقي الأستاذ عبد القادر بوميدونة صحافي في الأصل ، وهذه مجرد محاولة قصصية


لذلك رأيتني صفقت له إعجابا وقد أخبرته على الخاص أن بالنص الذي نشره مادة قصصية

جيدة يمكن استغلالها لبناء قصة متكاملة ، خاصة وأنها تحتوي على قفلة مدهشة إلى حد ما.

وعمليتك الجراحية قد أبقت بالضبط على ما اعتبرته أنا مادة أولية .

ولعل ما أثار انتباهي هنا في هذه الصفحة هي أن الأستاذ بونيف قام

بحذف واستبدال مداخلته الأولى التي رأت أن النص قصة كاملة تتوفر على جميع العناصر

من بداية ووسط ونهاية / مقدمة وعقدة وحل.ولعل ملاحظاته المهينة بعد التغيير جعلتني

أترك هذا المتصفح الذي كان في الامكان أن نحوله إلى مناقشة حول فنيات القصة القصيرة

متخذين من هذا النص نموجا لتبيان مواقع الخلل وربما نطرح فكرة إعادة كتابتها باسلوب كل واحد منا

والحقيقة إن سبب عودتي هو أطلالتك الكريمة علينا ، وفي انتظار عودة أخينا عبد القادر لك مني

أسمى آيات الود والتقدير.

[د- صلاح الدين محمد ابوالرب]

الأستاذ عبد القادر بوميدونة

نعم لقد ضاعت الحياة ،لكن من اضاعها ..؟ هل اضاعها من حمل الفسق من الخارج ام من سمح للفسق ان يدخل بيته ام من تعامل مع الفاسق وكأن الامر ليس بفسق
سيدي لقد ضاع الحياء


اما في قولك في احد الردود تطلب رايا فنيا

(((((المهم ما رأي كل من قرأها شكلا.. أما المحتوى فكل من يملك قدرا من الوعي الكافي باستطاعته التصرف في محتوى القصة وتوجيه الأحداث فيها كما يحلو له.. المهم ما العناصر الفنية التي كان من الواجب توفرها في كل قصة مثل هاته؟
فقد تعمدت غض الطرف عن تحديد المكان والزمان واسمي الأب والطبيب.. فهل أخل ذلك بموضوع القصة وشكل السرد الفني أم لا ؟ الرأي لكم )))))

ومع انني لا اعتقد انني مؤهل لانتقاد سرد كاتب مثلكم فاسمح لي القول
ان عدم تحديد المكان والزمان لم يؤثر كثيرا في النص لتجعل القارىء يتنقل فيما يريد من اماكن، فانت ياسيدي قد حددت طبيعة الخلاق والسلوك في هذا المكاتن
القصة تحوي العديد من الشخصيات التي لا تخدم روح النص وعدم ذكرها لا ينقص منه ومنها الاخوة
وذكر اسمائهم ، وفي حال ازدحام القصة باشخصيات فيفضل انتقالها للقصة الطويلة او الرواية واعتقد ان هذه القصة تصلح تماما لان تكتب عنها ىرواية وتنقلا بين الاهل والاخ والاخوات وسلوكهم وردود افعالهم ،، وانت اهل للرواية
في النهاية قد ابدعت في السرد
تحية

[عبدالقادربوميدونة]

-
- د صلاح الدين أبوالرب
- الأستاذة ناهد يوسف حسن
- الأستاذة مريم محمود العلي
-الأستاذ الناقد القديرعبد الرشيد حاجب
- الدكتورمسلك ميمون..
المحترمون الأعزاء لقد شرفتموني بهذه الانطباعات والأراء وكذا الدراسة ووجهات النظرالمختلفة فأنا جد ممنون ..
وسعيد بما قلتم وقدمتم ..تحية حارة وسلاما عطرا.
لا أكتمكم سرا لوقلت لكم أني أردت بهذه القصة جس نبض نقاد القص ودارسي النص ..وقد طرحتها بذاك الشكل والمحتوى لتكون عينة توضع على مشرحة البحث والتشريح لاكتشاف مكامن القوة ومواطن الضعف فيها حتى تكون مادة خصبة مغرية للغوص في كيفية الدخول إلى رحاب القص خصوصا والأدب والسرد الفني عموما ..وهو الأمرالذي اكتشفه الناقد الدكتور مسلك ميمون وأجزم أن هذا ما كنت أود قوله أوالوصول إليه ..فعلا ..ليس ضعفا أوعدم دراية فقد كان بإمكاني أن أظفرها في حزمة واحدة ذات حدث كبير دون اللجوء إلى التوسع في تفاصيل محتواها ..لتكون قصة قصيرة جدا ..بالإضافة إلى إمكانية تحويلها إلى قصة أوحتى رواية فالحدث المركزي فيها مهم جدا والشخصيات الفاعلة فيها كثيرة وكل حديث عن ظروف ونفسية كل واحد منهم يتطلب صفحات ..ومع ذلك فقد اعتمدت الأسلوب السهل شبه المباشرسعيا مني لجعل القاريء لا يهتم كثيرا بالصوروالخيال إنما تتوجه كل اهتماماته وتوقه لمعرفة السرالكامن واكتشاف عقدة الفتاة بطلة القصة .
فأنا من المرحبين طبعا بكل تغييرترونه مجديا ..وسأحتفظ بالأصل لتكون إن شاء الله مشروع رواية اجتماعية تربوية تجسد مخاطرالمخدرات على حياة الجيل لا سيما إذا ما اقترن ذلك بمعضلة " السيدا " هذان الوباءان أوالغولان ألا يستحقان رواية محكمة البناء مشحونة بأحداث مؤثرة ومعززة بأحاديث دينية وآيات قرآنية ؟
موضوع القصة موضوع الساعة وكل ساعة أليس كذلك ؟
الرأي ما ترونه بالإضافة والحذف المهم نخرج بعمل متكامل تعلوه بصمات أهل الاختصاص دون عقاب ولا قصاص.
ما رأيكم ايها الأفاضل؟
شكرا لكم جميعا.