هذا الموضوع نشرته "الشروق اليومي" كمقال افتتاحي لعدد الخميس الماضي:

http://www.echoroukonline.com/ara/op...ial/27402.html



"السبئية تُحيي الفتنة من جديد!

لا نزال نشهد تداعيات الملاسنات السنية الشيعية التي تحولت إلى عتاب، فسباب، فجهاد إلكتروني، في انتظار الجهاد الواقعي الذي يجعل من ضحايا السنة وضحايا الشيعة الوقود الأمثل لمعركة الشرق الأوسط الجديد، بطبعة أمريكية.

لقد حذّر الشيخ القرضاوي من المد الشيعي نظرا لما رآه، ويراه غيره، من امتداد هذا المذهب في ربوع العالم الإسلامي، يتلقفه صنّاع الفتنة والباحثون عن التميز، وكذا جماهير سنية لا تدرك حقيقة التاريخ ولا أصول الشريعة ولا معالم الخلاف بين المدرستين، وهو خلاف ضارب بجذوره في الأرض، وقديم قدم النزاع الذي فرق الأمة بعد معركة صفّين، إلى صفّين.

لكن "فوبيا التشيع" الجديدة التي انتشرت ـ فجأة ـ بين أوساط الدعاة والنخب الدينية وجماهير المتعاطفين لها أسباب "مسكوت عنها" قد تشكل المحور الأساس في هذه الفتنة الجديدة التي برزت قرونها وكشرت عن أنيابها بشكل مخيف لا يُبشر بالخير؛ ومن ذلك الدور الكبير الذي تقوم به القنوات الشيعية "الدينية" في "الدعوة" لمذهبهم وعرض أصوله وحججه في مقابل تضعيف حجج المذهب السني وتوهينها، واللعب على حبل المقاومة وخلط النتائج السياسية بالمبادئ الدينية، في حين أن القنوات "السنية" التي تفرّخ وتبيض كل يوم عبر الفضائيات لا تهتم سوى بثقافة البطون، ما بين ملء وهز، في حين لا تحتل البرامج الدينية والثقافية الجادة فيها سوى زوايا مظلمة لا تسلّط عليها الأضواء والأنوار إلا في المناسبات والمواسم.

"فوبيا التشيع" الجديدة برزت للوجود كذلك كأحد معالم "الشرق الأوسط الجديد" الذي تريد أمريكا بناءه، ولهذا كان الهاجس المذهبي يطغى على كل إنجازات المقاومة "الشيعية" التي هزمت إسرائيل نفسيا وإستراتيجيا في لبنان، كما يطغى على كل أشكال الممانعة التي تمارسها إيران في وجه النظام العالمي الجديد، بحجة أن "الرافضة أخطر من اليهود والنصارى"، في حين أن العدو الحقيقي لا يزال هو الكيان الصهيوني بدرجة أولى.

التوجه السائد لدى الدول الفاعلة في الخليج العربي هو إحياء الصراعات المذهبية القديمة بحجة صد المد الشيعي في المنطقة، رغم أن دول الخليج نفسها عرفت تجربة سابقة عندما موّلت الرئيس الراحل صدام حسين ليقف سدا منيعا أمام تصدير الثورة الإيرانية، وأشعلت فتيل حرب عبثية بين العراق وإيران وقّعت نهايتها بدماء ملايين الضحايا من الجانبين. ونحن نعلم أن المذهب الشيعي المتطرف لم يكن ليصبح تهديدا على الخليج لو لم تسمح الدول "السنية" بإسقاط النظام "السني" في العراق لتترك المجال الواسع أمام "الشيعة".

العدو الذي يهدد العالم الإسلامي اليوم هو نفسه الذي هددها منذ عقود.. إنه الكيان الصهيوني.. وليس غيره.. لكن على إيران، بحكم كونها ممثلة المذهب الشيعي وحاملة رايته، أن تعلن موقفها الصريح تجاه ما يحدث من انتشار دعاتها في الأوساط السنية، ومدى علاقتها بتصدير الدعوة بدل تصدير الثورة.. وعليها أن تعي أن الثقة والصراحة هي أساس التعاون والتآزر.. وأن أهل السنة لا يريدون استبدال "التقية الدينية" بـ"تقية سياسية".