عن مهند صلاحات ،عن أبي النت بن أسلاك الضوئي قال...
زعموا أنه في إحدى المزارع كان هنالك فلاح مشاغب لم يحبه أحد لأن سياسته كانت قاسية، يمكن أن يطلق النار على أي مزارع رفض العمل في الزراعة، يعامل المزارعين على أنهم عبيد، يسرق تعبهم وعرقهم وخيرات أرضهم ليشتري بها ملابس جديدة وبنادق صيد لرجاله وكلابه الملتفين حوله لحمايته,
ولكن وفي مفاجأة أستغربها الجميع قامت إدارة السوق بالانقلاب على عميلها وإفقاده السيطرة على المزرعة, فعمت المزرعة فوضى عارمة وبدأ الموارعون الذين قدموا من مزارع مجاورة إلى جانب الرجال الذين بعثتهم إدارة السوق المركزي بنشر الرعب وقتل البشر و إطلاق النار فغدت الحياة لا تطاق في المزرعة.
تمكنت إدارة السوق بعد فترة بفضل رجالها المسلحين من السيطرة على الوضع وأجرت انتخابات فاز بها أحد الفلاحين لإدارة المزرعة وباشر هذا الفلاح البسيط عمله بتوجيه الفلاحين .
إلا أن هذا الفلاح تحول بعد فترة إلى استغلالي يسرق محاصيل الفلاحين ويتحكم بسعر بيعها لهم في السوق المركزي باعتباره المفوض الوحيد بالتعامل مع السوق .
كان لهذا الفلاح حمار قوي البنية يقوم على خدمته في أمور الزراعة ونقل البضائع ليل نهار ويقوم على خدمة أبنائه ونقلهم من مكان لمكان، لا يراعي أحد من أبناء الفلاح أو الفلاح نفسه ميعادا لنوم هذا الحمار أو وقت طعامه وشرابه ...في أحد الأيام جلس الحمار يفكر بعد عودته من رحلة مكوكية شاقه أخذه فبها أحد أبناء الفلاح ليرى صديقته في المزرعة المجاورة, أحس الحمار أن الفلاح يسرق تعبه ويستغله لصالح أصحاب السوق المركزي الذين يقدم لهم صاحب المزرعة يوميا الولاءوالطاعة حتى يسمحوا له ببيع بضائعه في السوق رغم معرفته بأنهم يسرقون بضائعه ويستغلونه ولكن لا يجرؤ على الكلام.
قرر الحمار الثورة على الفلاح لتحقيق حياة أفضل وأيقن تماماً أن الثورة هي الطريق الوحيدة ليحقق الحرية والحياة الفضلى والطموح المنشود, وأطرد في نفسه قائلاً :
إني أعجب حقا من أمر هؤلاء الفلاحين البقية كيف ينام أبناؤهم جياعاويفيقون هم على ذلّ هذا الفلاح الذي يستغلهم ولا يحركون ساكنا, مع أنهم لو أضربوا عن العمل يوما واحدا لتوقف إنتاج المزرعة وخضع الفلاح لمطالبهم كي لا يتوقف العمل ويغضب سادته أصحاب السوق المركزي منه, وقرر أن يخوض إضرابه وحيدا مؤمنا بأنه سيحقق نتائج مبهرة.
في صباح اليوم التالي استفاق الفلاح على نهيق عالي للحمار غير المعتاد,
لبس الفلاح ملابسه وأستعد للخروج لأرجاء المزرعة ليتفقد الفلاحين وماذا فعلوا وماذا حصدوا وزرعوا ويحمل ما قطفوه من إنتاج إلى السوق المركزية ويبيعها.
دخل الفلاح إلى زريبة الحمار فوجد الحمار يعلق لوحة مكتوب عليها ( لن أستمر في العمل في ظل اضطهاد سيادتكم لنا ... اليوم نلعن الإضراب المفتوح عن العمل حتى تحسين ظروف معيشتي )
تفاجأ الفلاح من تصرف الحمار وغضب غضباً شديداً منه, وضربه ونكل به مع أبنائه ومنع عنه الطعام.
مضى يومأن والحمار المسكين صامد في زريبته بدون طعام وماء, في نفس الوقت، توقفت كل أعمال الفلاح وأضطر أبناؤه للسير مسافات طويلة دون أن يجدوا من يحملهم على ظهره ويريحهم من عناء السفر.
أحس الجميع بحاجة هذا الحمار وحجم الخدمة التي كان يقدمها لهم فعادوا للبيت جميعا وقرروا عقد اجتماع عاجل لتدارس الأوضاع.
في هذه الأثناء قطعت زوجة الفلاح إحدى زياراتها الخارجية لإحدى المزارع الأخرى وعادة مهرولة لبيت زوجها, في حين كان أحد أبنائها يقعد مؤتمرا صحفيا مع الفلاحين يعلن فيه أن الفلاح وأبناءه قرروا فتح باب للتفاوض حتى يقنعوا الحمار بالعودة للعمل مجددا بعدما توقف العمل بسبب تراكم الإنتاج في المزرعة ولم يجدوا من ينقله للسوق, صفق الفلاحون بحرارة وهتفوا للفلاح الأب بطول العمر والبقاء وفدوه بالروح والدم وجددوا البيعة له و لأبنائه, وفي اليوم التالي :
أنتدب الفلاح اثنين من أذكى أبنائه لمفاوضة الحمار وإقناعه بالعودة للعمل بالشروط التي يريدها.
على الرصيف كان ولد من المزرعة يبيع الجرائد يصيح بأعلى صوته ( اقرأ أخر الأخبار" آهل المزرعة يجددون بيعتهم للفلاح الأب و أبنائه ويمدحون حكمته في إدارة شؤون المزرعة ")
ولد أخر ينادي ( الفلاح الأب وإدارته الرشيدة يبدأون التفاوض مع الحمار الثائر للعودة للعمل )
دخل أبناء الفلاح على زريبة الحمار المنهك من الجوع والعطش وبدأت حلقات التفاوض.
سلم الحمار أبناء الفلاح لائحة بالمطالب التي يريدها وشددّ على مطالبه وأنه لن يعود للعمل إلا بتحقيق كامل المطالب الشرعية في اللائحة وانه مستمر في إضرابه حتى الموت.
بعد يوم حامٍ من المشاورات بين الفلاح وأبنائه، قررالجميع الموافقة على شروط الحمار.
في اليوم التالي كان بائعوالجرائد ينادون :
( نجاح ثورة الحمار على الفلاح وأبنائه )
( الحمار يحقق مطالبه عبر الإضراب والصمود من خلال الجوع والعطش )
( إضراب الحمار يتمخض عن كسر إرادة الفلاح وأبنائه وتحقيق مطالب الحمار )
لقد ثار الحمار على الفلاح و أبنائه وحقق مطالبه المشروعة وحقق له الإضراب ما يلي...
تحديد ساعات عمله اليومية وتقديم افضل نوع من الحشائش له وتقديم ماء نظيف له في أوقات منتظمة.
والعمل ضمن شروط الحمار وحسب طاقته وقدرته.
مراعاة مزاج الحمار في العمل .
الذهاب للطبيب البيطري وإصدار شهادة للحمار باسمه وشهادة خلوه من الأمراض...
السماح للحمار بالانضمام لجمعيات حقوق الحيوان المحلية والعالمية.
السماح له بتقديم طلبات انتساب لجمعيات حقوق للحمير دولية ومحلية.
الاعتراف بالحمار ككيان مستقل له خصوصيته الشخصية.
السماح للحمار بتأسيس حزب يقوم على انتقاد أداء الفلاح و أبنائه أطلق عليه"حزب الثورة الحميرية وأخواتها".
منع تدخل أصحاب المزارع الأخرى أو أصحاب السوق المركزي في شؤون الحمار الداخلية وطبيعة عمله.
لقد ثار الحمار قبل أن يثور أبناء هذه المزارع وتلك من المفارقات العجيبة حين يتحول
الحمار إلى مجموعة صغيرة من المواطنين في بلد عربي ،
وتحول صاحب المزرعة إلى حاكم عربي
وتحول أبناء الفلاح المدللين إلى حاشية الحاكم وإلى أبناء العائلة الحاكمة،
وتحول أصحاب السوق الى استغلاليين من أمريكا.
فحين نصل لمرحلة نفكر فيها في عقولنا قبل بطوننا ... نحقق ثورة الجياع وحفاة الأقدام،تماما كما فعل الحكماء من الحمير في يوم من الأيام...
انتهى.
المفضلات