نقمة البريد الإلكتروني
استيقظت يوماً لتجدك لا تستطيع الدخول إلى بريدك الإلكتروني، ذلك الملك والحرز الخاص بك! رغم محاولاتك العديدة والمتكررة، لتتأكد من كلمة المرور! مستعيناً بالعصف الدماغي، لتتذكر تلك الكلمة في كل مرة، ولكن دون ما فائدة! لقد كنت تستعمله في الليلة السابقة! ولكن بين ليلة وضحاها، تنتهك حرمتك - ويستباح ملكك، وأصبحت عرضة للسرقة! ألن ينتابك شعور مخيف على ذلك الكم الهائل من المعلومات، وحسرة على تلك المدة الطويلة التي صرفتها في تجميعه؟! وقلق مع عدم مقدرتك على استرجاع ما فقدته، وخوف مما قد يحصل من جراء ذلك؟! كأنما فقدت جزء من بدنك، بل ربما جزء من روحك انفصل عن موقعه!
لم يكتفي من قام بذلك العمل الشنيع - رغم انتهاكه لجميع المواثيق والأعراف الإنسانية – إن يقف إلى هذا الحد من التجاوزات. ليتضح لك بعد مدة، قيامه بإرسال العديد من الرسائل إلى العناوين الموجودة لديك، لتقاطر المكالمات عليك من كل جانب! بعضها من الأصحاب، والبعض الآخر من أناس مجهولين، اتصلت بهم مرة أو مرتين، ثم انقطعت علاقتك بهم! اتصل هؤلاء الأصحاب، ليتأكدوا من وجودك في البلاد، وإنك لست في دولة نائية، وبحاجة ماسة للمساعدة! واتصل الآخرون ليتأكدوا، من أن ألا تكون تلك مزحة سخيفة تقوم بها! بسبب ما ادعاه ذلك الوغد واخبرهم به، في محاولة لابتزازهم! كما ابتزك أنت واستغل سذاجتك! ففجر فيك بركاناً خامداً، نثر حممه ونيرانه على من حولك، ولا تعرف كيفية إعادته إلى مكمنه!
عندها تذكرت وصول العديد من الرسائل، من بلاد الله الواسعة. وكان ذلك في الأسابيع الماضية، وفي أوقات متقاربة، ومدد محدودة. يتقمص أصحابها واجهات عديدة، وأسماء براقة مختلفة. ولكن بهدف واحد مشترك بينها، هو لفت نظرك إلى تلك الهبات والعطايا الزائفة، التي تقدر بالملايين، وبعملات عالمية. انطلت عليك الحيلة، ولمعت في عينيك الأرقام. ومع إنك لم تأخذ الأمر محمل الجد، ولكن لا تستطيع إنكار تأثيرها عليك - وفعلها السحري على نفسك! فأخذت تقلبها في مخيلتك يمنة ويسرة، تسديد ديون – شراء سيارة جديدة – عدة سفرات إلى بلاد مختلفة! وبدأت تكتب عناوينك، وتدون أرقام تلفوناتك، غير مدرك لأبعاد وتداعيات هذا العمل. كأنما هي لعبة مسلية، دخلت في أدغالها، تود معرفة من الرابح الأكبر فيهاً؟!
مع شدة فرحتك وابتهاجك، وعدم تصديقك تملك تلك المبالغ الخيالية، استشرت أحد الأصحاب عن صحة ما يجري لك؟! فانتبهت من غفلتك حينما أخبرك "لو كانت تلك حقيقية لكان هو من أكبر أغنياء العالم منذ فترة طويلة، لكثرة ما استلم من هذه الرسائل"! فكنت كمن يشتري السمك في الماء، أو الطير في الهواء! ولكن لا يفيد الحذر بعد أن وقعت في المحذور، وجعلت من نفسك كتاباً مفتوحاً للآخرين - من عديمي الضمير- ينتقون منه ما يشاءون! فما من لعبة إلا ولها ثمن! وثمنها بالنسبة إليك، رغم عدم مقدرته استلاب مدخراتك، تخريب بريدك واستعماله في أغراض غير مشروعة! ورغم محاولاتك العديدة لاسترجاعه، لم تستطع ذلك لعدم إلمامك بتفاصيل المعلومات المسجلة عليه.
أنقذك الله - إذ لم تدلي له بمعلومات خاصة جداً، تمكنه من إتمام خطته وإحكامها. ويرجع ذلك إلى طلبه معرفة اسم المصرف الذي تتعامل معه - وأرقام حساباتك. بالإضافة إلى إرسال مبالغ نقدية، تمكنه من إنهاء الصفقة، وإيصال جائزتك إليك! كمن يستيقظ من نومه فزعاً، هرباً من تأثير كابوساً أسود. كان هذا درسا لك، لعدم التمادي والجري، وراء سراب وأحلام بعيدة عن الواقع. وأن تقبل بوضعك كما هو، وتحاول تغييره بجهدك وتعبك أنت، لا بضربة حظ طائشة! وأن تحفظ وتحتفظ بأسرارك لنفسك، وأن يكون لديك نسخة إضافية منها، مخبأة في مكان أمين، ترجع إليها عند الحاجة.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية
المفضلات