*معاجم اللغة تقول : إنه من مادة ( و ض ع ) . هو ( التذلل ) و ( الإخبات ) و ( الخشوع ) و ( الخضوع ) و ( اللمد ) و ... واصطلاحا هو : (( تحمل النفس بالخضوع ، ومنعها من الترفع على الناس ، والاستخفاف بهم ، وحملها على احترامهم مهما اختلفت درجاتهم ، وتباينت مشاربهم ، وعدم الكبر على أحد ؛ سواء في ذلك الوضيع ، والرفيع ، الرئيس ، والمرؤوس ، والصغير ، والكبير ليحافظ على منزلته في النفوس ، ويأخذ مكانته في القلوب )) .
ومما لامراء فيه إن التواضع خصلة شريفة محمودة تدعو إلى التوادد بين أبناء آدم عليه السلام جميعا .. ومن كانت هذه خلته لاشك أن نفسه طاهرة ، وذوقه سالم ، وهو مستجيب تمام الاستجابة لما أمر به رب العزة جل جلاله من أجل التحلي بالتواضع ؛ سمة كل مؤمن ومؤمنة .. والتواضع خلق حميد ، وجوهر لطيف ، يستهوي القلوب ، ويستثير الإعجاب والتقدير من كل العباد . وهو - كما أسلفت وسأضيف - من أخص خصال المؤمنين ، المتقين ، ومن كريم سجايا العاملين الصادقين ، ومن شيم الصالحين المخبتين .. وهو هدوء ، وسكينة ، ووقار ، واتزان . بل هو : ابتسامة ثغر ، وبشاشة وجه ، ولطافة خلق ، وحسن معاملة ، بتمامه ، وصفاته يتميز الخبيث من الطيب ، والأبيض من الأسود ، والصادق من الكاذب .
وبناء على كل هذا ففاقد التواضع - المتكبر - عديم الإحساس ، غائر المشاعر ، بل هو الأشقى في الحياة ولاريب !! .
والتواضع نوعان :
1 ) تواضع محمود : هو ترك التطاول على العباد واحتقارهم .
2 ) تواضع مذموم : هو تواضع المرء - في ذلة - لصاحب مال ، أو دنيا طمعا في ماله أو دنياه .
والتواضع مطلوب العمل به بالقرآن الكريم ، وبنصوصه السمحة . قال تعالى في الشعراء : (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) . وقال في لقمان : (( ولاتصعر خدك للناس ولا تمش مرحا إن الله لايحب كل مختال فخور )) . وفي الفرقان : (( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )) . . كما هو مطلوب بالسنة النبوية المطهرة : فقد : (( سئلت عائشة رضي الله عنها : ماكان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله - يعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة )) ( رواه البخاري ) . الله .. الله .. نبينا - تواضعا منه - كان في خدمة أهله . ومما رواه الترمذي : (( كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه )) . ومما رواه أبو يعلى في هذا المدماك : (( كان يأتي ضعفاء المسلمين ، ويزورهم ، ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم )) ...
ومما ورد في بعض الحكم والأمثال والأقوال العربية وغيرهاأذكر قولهم :(( تاج المرءالتواضع )) ، وقولهم : (( من تواضع سما )) ، (( من أحب بقاءعزه فليتواضع )) ، ومما ينسب لأبي يعلى قوله : (( من أحب بقاء عزه فليتواضع )) ، ولله در المأمون وهو يصيب كبد الحقيقة التي يحتاج إليها أكثر الناس : (( ماتكبر أحد إلا لنقص في نفسه )) ، وهذا الشاعر العربي يقرأ الواقع حقا :
ملأى السنابل تنحني بتواضع ****** والفارغات رؤوسهن شوامخ
ولله در الآخر حاثا على التواضع :
تواضع تكن كالبدر لاح لناظر ****** على صفحات الماء وهو رفيع
ولاتــك كالدخان يعلو تجبـــرا ****** على طبقات الجو وهو وضيع
وما أبلغ ابن المعتز وهو ينقش على صفحة الدهر هذه الحقيقة ناصعة : (( أشد العلماء تواضعا أكثرهم علما ، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع مــاء )) .
وهذا طاغور يشذب أنف المتكبر قائلا : (( تدنو من العظمة بقدر ماتدنو من التواضع )) .
وللشعوب في هذا المضمار ما هو جدير بالاحترام ؛ فالإنجليز مثلا يقولون في مثلهم السائر : (( كي تصبح سيدا ينبغي أن تعمل خادما )) . أما اليابانيين فلهم في بلاغة قولهم منزلة احترام وتقدير ؛ فهم يقولون : (( يستحيل الوقوف في هذا العالم دون الانحناء أحيانا )) .
أخي القارئ أختي القارئة : هل بعد كل هذا كله يزهد المرء في التواضع ؟ وإن فعل فأي سبيل أمامه غير (( الــكــبـــر)) تلك الصفة البشعة التي اتصف بها إبليس ، وتخلف بها إسلام أبي جهل ، واستحبت قريش العمى في القرآن الكريم ؟ . وبه .. وبه .. وبه .
لم لانتواضع والتواضع كله خير ؟
*
المفضلات