التعددية السياسية في الجزائر والتبعية الاقتصادية
(نحو أزمة اجتماعية طاحنة)
بدخول التعددية عرفت الجزائر تغيرات جذرية مختلفة بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي أثرت على جزء كبير من طاقاتها البشرية والمادية، وذلك بعد تخليها عن النظام الأول، دخلت فيه الجزائر زمن التذبذب السريع والانقلابات المفاجئة، إنه الزمن الانفجاري كما قال أحد الاقتصاديين الذي يستوجب إحداث تحول جذري اقتصادي من أجل تطوير الإنتاج، مدعم بكل الطاقات والإمكانات
هذا التحول والتغير يتطلب تجربة جديدة في التنمية الاقتصادية، أنها العودة إلي تجربة هنري فورد الاقتصادية الذي قال يوما للعمال اعملوا ونحن نفكر مكانكم ولأجلكم ، هذا هو الشعار المسموم الذي سنّه هنري فورد في عقول العمال وهو يضع سياسة الأجور المرتفعة من أجل يد عاملة مستقرة..، وما دامت الجزائر محكوم عليها بالتبعية الاقتصادية واعتمادها علي تدخل اليد الأجنبية في بناء مشاريعها وحل مشاكلها، لا سيما في قضية الأجور فهل يمكنها العمل بتجربة هنري فورد الاقتصادية تلك هي المشكلة؟منذ اعتلائه سدة الحكم لعهدة ثانية في نيسان (ابريل) 2004 عمل الرئيس الحالي للجزائر عبد العزيز بوتفليقة علي إجراء تغييرات جذرية في القوانين الجزائرية، فمن قانـــــون الأسرة، فقانون الجنسية، إلي قانون المحروقات و..والخ، رغم معارضة جل الأحزاب، وأضحت هذه القضية لعبة سياسية تتداولها الأحزاب السياسية بين مؤيد ومعارض من أجل مصالح معينة، تتناقض مع مصلحة العمال والمصلحة الوطنية في تحقيق التنمية، في الوقت الذي تعزم فيه الجزائر في الخروج من النفق المظلم محاولة اجتياز الخط الأحـــمر بتجســـيد قوانين المصالحة الوطنية وتنفــــيذها، وكأن الرئيس الحالي للجزائر عمد إلي إشعال حرب جديدة بين أبناء الوطن وهو ما فتئ يحاول جاهدا لإطفاء نار الفتــــنة التي أتت علي كل أخضر ويابس..
كانت فيه الجزائر علي صفيح حار بين جان ومجني عليه، وقد سعت بعض الأحزاب وعلي رأسها الأرندي الي فرض هيمنتها، بعدم رفع أجور العمال لتدخل المجتمع الجزائري في متاهات رهيبة.وما يدعو الي الخجل أن يقف المسؤول الأول عن البلاد والعباد وبحكم اليمين الدستورية التي أداها في الدفاع عن حقوق الشعب الي جانب التيار المعارض لرفع الأجور دون أن تحرك نقابة العمال ساكنا، ذلك في غياب الوعي الكامل بأن مثل هذه القرارات هي هدر للطاقات الوطنية والقوي المنتجة التي باستطاعتها تحقيق إنتاجية أعلي، من جهة أخري نلاحظ التناقض الواضح في السياسة التي تبنتها الحكومة الجزائرية الحالية، ففي الوقت الذي تعلن فيه بين الحين والآخر عن الزيادة في أسعار المواد الغذائية (السكر، الحليب، الخبز وحتى الكهرباء..)، ترفض في الوقت ذاته تحسين المستوي المعيشي للعامل ورفع معنوياته خاصة وأن رئيس الجمهورية أكد علي أن الجزائر تعيش حاليا بحبوحة مالية بتوفر أكثر من 70 مليار دولار، دون أن يتخذ التدابير الفعلية والضرورية والكفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة، فما يقرأه المواطن علي صفحات الجرائد اليومية، سوي وعود نسبة تحقيقها ضئيــــلة جدا أو تكاد تكون مستحيلة، تلك أسئلة كثيرة لا بد من طرحها والتي تبحث عن إجابة شافية..
فكيف إذن يحقق الرئيس هذه المشاريع التي من خلالها يعرف المواطن العيش الكريم؟ كيف يتجسد مليونا سكن خلال 2009 والسياسة الحالية المعمول بها تسعي الي إلغاء السكنات الاجتماعية واستبدالها بالسكنات التساهمية LSP والأغلبــــــية الساحقــــة من المواطنين لا يتعدي راتبهم الشهري 6 آلاف دينار جزائري؟ كيف تصل الجزائر الي بناء 60 مستشفي، 140 عيادة وألــــف قاعة علاج و..و..الخ
ماذا عساه أن يفعل ذلك المواطن البســـــيط الذي لا يملك حتي ثمن صرف وصفة دواء، كما أن انعدام الأجهزة الاستشفائــــية في القطاع العمومي تجبر المواطن علي اللجوء الي القطـــــاعات الخاصة لإجراء عملية جراحية تكلفه مبالغ كبيرة قد تتجاوز مـــائتي ألف د.ج. دون أي تعويض، إن تحقيق معدلات النمو مرهـــــون بالاهتمام بالعنصر البشري الذي هو في نهاية المطـــــاف العنـــصر الحاسم في تحقيق التنمـــــية، وذلك لا يتجسد الا بالزيـــــادة في أجور العمال بمختلف شرائحهم ومستوياتهم، فليست الغاية مــــن رفع الأجور رفاه العامل والسماح له بتفتح شخصيته الثقافية والإنسانية بقدر ما هي ربط العامل بالعمل وبرب العمل ، وهو تعبير عن حصيلة جهد مبذول..
ومن خلال هذا الاعتراف تتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وتتواصل عمليات الإنتاج وتوسيعها وزيادة مردودها، كما أن التوزيع غير العادل للدخل قد يؤدي بالفرد الي تناقضات تنشأ عنها خلافات وصراعات وانحرافات وتشوهات مضرة بصحة المجتمع وتوازنه، هو في غني عنها، فمن غير الممكن أن ينفي أحدنا أن جملة من التناقضات لا تتناسب وطموحات الشعب تبناها النظام، أدخلت البلاد في حرب دموية تقاتل فيها الأشقاء دون هوادة، لولا سياسة السلم والمصالحة الوطنية التي أعادت المياه الي مجاريها الطبيعية، فكيف لرئيس الجمهورية اليوم ينحي في منحي لآخر ولم يضع في حسبانه أن تهميش العامل والأخصائي والفني سيؤدي به لا محالة الي الهجرة التي أثرت سلبا علي معدلات النمو وتعطيل المشاريع التي كلفت الدولة مبالغ ضخمة وهي مسألة تنبئ بالخطر المحدق بالمجتمع الجزائري في أي لحظة، وهذا لأن النظام الحالي قد وضع الشعب على الهامش..
ان نجاح أمريكا اقتصاديا يرجع الي السياسة التي تبناها هنري فورد صاحب أكبر مجمع لصناعة السيارات في العالم الذي قام بوضع عقيدة رأسمالية وهي الاستقرار النفسي والاجتماعي للعامل من أجل أن يضع قوة العامل كلها في العمل من أجل زيادة الإنتاجية، وتحقيق معدل النمو، لقد عمل هنري فورد علي زيادة أجور العمال لضمان يد عاملة مستقرة، لأنه كان علي دراية بأن الزيادة في الأجور تشد العامل بالعمل وبرب العمل..، ان ســـــير الجــزائر في الاتجاه المعاكس لهو دليل علي فشل الرأسمالية في الجـــــزائر وأن إتباعها هذا النظام كان شكليا، فما نلاحظه من تذبذبات في القوي الاقتصادية ما هو إلا دليل علي فشلها دون أن تحقق العدل والمساواة بــين أفراد المجتمع، لأنها برهنت علي تبعيتها في اعتمادها علي التدخل الأجنبي في سياستها الاقتصادية وها هو ناقوس الخطر يدق من خلال خوصصة مؤسساتها (أزيد من 1217 مؤسسة) وهي البلد الوحيد الذي يلجأ الي تصفية مؤسساته، وهي بهذا القرار تضع الشعب علي طاولة مشرحة الباترونات الذين يلــــجأون الي التوظيف التعاقدي المـــــؤقت من أجل استغلال العــــــمال، أو اللجوء الي العمل الظلامي LE TRAVAIL EN NOIR، دون عقود تهربا من الضريبة وتأمين العامل من الأخطار المحدقة به أثناء تأدية عمله، وبالتالي حرمـــــانه من كل حقوقه القانونية لا سيما فيما يتعلق بالتقاعد ، هذه السياسة تضاف إليها مشكلة غلق أكبر المصانع المنتجة (مصنع كـــــومامو، الأروقــــــة الجزائرية، والأمثلة كثيرة…)، نتج عنها تسريح عدد كبير من العمال المضطهدين، والتي كانت نهايتها تفاقم البطالة وانتشار السرقة والمخــــدرات هروبا من واقع مزر، وهي مظاهر تشكل السبب الرئيسي لتضخم اليد العاطلة والتي هي أشد خطرا من التضخم النقدي الناتج عن تراكم المشاريع وتعطلها دون وضعها في مرحلة التنفيذ باسم التعقيدات الإدارية أو الدراسات الخاطئة، ومن البنايات الفارغة التي وضعت في المضاربة التجارية لخير دليل علي فشل هــــذه السياسة التي قد تؤدي الي استفحال أزمة جديدة قد تعيد البلاد الي نقطة الصفر ودخولها في الطريق المسدود...
علجية عيش
المفضلات