الأخت الكريمة سوسن عامر وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحييك بداية على طرح هذا الموضوع الذي ممّا لا شك فيه أن له بعد إيجابيّ من حيث قراءة واقع المعرفة لدينا (كتابة)من خلال واقعنا اليوم خاصة في ظل هذا الإكتساح الرهيب
لوسائط التقنية الحديثة والفضاء الرقمي الذي يكاد يقضي تماما على ما إعتدنا عليه من علاقة بين الإنسان القارئ وما دأب عليه من بحث وقراءة بين دفات الكتب وما كان يتولدعن
تلك العلاقة في كثير من الأحيان من حالات إبداع وإضافة وإثراء كثيرا ما تترجم الى أنواع مختلفة من الكتابة التي لها إسهاماتها البنّاءة في رفد المخزون الحضاري لمجتمعنا العربي
الاسلامي , وإن كنت أرى في طرحك مسحة إستفزازية محبّبة من شأنها أن تحفزنا على البحث في أسباب هذا التقهقر الذي بتنا نشهده في التعاطي مع المسألة المعرفية , ومن ثمّ
البحث بجديّة في الأسباب التي أدت الى نشوء هذه الحالة من الإضمحلال(وإن كنت من جهتي أربطها بالحالة العامة التي عليها أمتنا الآن ) إلا أني أستسمحك عزيزتي وقبل أن أجيب على سؤالك
لماذا نكتب ؟ بأن أبدي ملاحظة بخصوص ما جاء نقلا عن " فضائية العربية من معطيات " كون هذه الأخيرة تعدّ من أكثر الأجهزة الإعلامية " المعبرنة " نسبة الى العبرية , في المشهد الإعلامي
العربي الآن , وهي التي لا تتحدث عن أيّ من القضايا المتعلقة
بالواقع أو الإنسان العربي إلاّ وهي تنظر اليه بعين الإزدراء والدونيّة فيما تمجّد في المقابل المجتمعات الغربية والمجتمع في أمريكا تحديدا ناسية أو متناسية أن " المجتمعات " التي تبني تقدمها
على حساب السطو على مقومات ومقدّرات غيرها من الشعوب والأمم تبقى مجتمعات عدوانية همجية غاصبة ومفلسة, حتى ولو قرأ مواطنوها كل عام من الكتب عدد أيام السنة , ومن هنا وجب أن نتفطن لمثل هذه
المفارقات , فهذا المواطن الأمريكي أو البريطاني الذي " نفتح أعيننا مشدوهة لدرجة معرفته ونهمه الثقافي , هو نفسه المواطن الذي تمارس دولته أبشع جرائم الإحتلال والتجويع والحصار والميز العنصري
ضد شعوبنا ومواطنينا وتمدّ الكيان الصهيوني الغاصب بكل مقومات وجوده المصطنع في فلسطين , وتدعم الاستبداد والقهر في بلداننا العربية والاسلامية , وعلى مرآى ومسمع منه , وكان حريّ بهذا المواطن
" المشبع معرفة وترفا فكرياّ " ان يضغط على حكامه ودوله حتّى تكفّ عن عدوانها وإعتداءاتها على غيرها من الدول والشعوب حتى يتسنى لهذه الأخيرة أن تتفرّغ لبناء حضارتها وتنمية مقوماتها المعرفية بدلا
من إستنفاذ تلك الاحقاب من الزمن في مقارعة تلك الدول الإستعمارية التي تعوّدت أن تبني " تقدمها " عن طريق نهب مقومات غيرها من الامم الاخرى , وتعودنا أن " ننبهر بتقدّمها الى دجة نكاد ننسى
فيها أن تلك الدول التى نظرب مثلا بتفوّق (المقروئية ) لديها هي ذاتها التي غزت لدينا وبالأمس القريب منبع الحضارات وجمجمة المعارف (العراق) ونهبت آثاره وكتبه واغتالت قادته و علماؤه ومفكّريه وتطاول حكامها
بالقول " أنهم سيعيدون العراق ذو السبعة آلاف سنة من الحضارة والتاريخ الإنساني العريق , لكي يعيش وكأنه في العصر الحجري" , مثل هذه الدول لا يمكن أن نقارب بينها وبيننا وخاصة في مسائل من هذا النوع , لأنها مقاربات
لا تستقيم في الواقع .. وأنتقل الآن لأجيب على السؤال لماذا نكتب ؟
من جهتي أرى أنه لابد ونحن نحتك بهذا السؤال الهام أن ندفع من جديد الى إحياء تلك العلاقة الاساسية و العضوية بين دورنا كقرّاء وواجبنا حين نكتب , فالكتابة لا يمكن أن تتأجّج أو تنضج إرهاصاتها إذا لم ترفدها حالة فكرية مأثثة
بزخم من القراءة لأصناف مختلفة من الابداع والمعرفة , فالكتابة في نظري هي أداة من أدواة التطوّر الإجتماعي وهي وسيلة لدى الأنسان (بصفته قائد عملية التطور )الذي نجده في حاجة مستمرة بحكم حاجاته المتجددة الى ابداع
ادوات تساعده على قيادة حركة التطور في مجتمعه , ومن هنا جاءت الكتابة لتصبح وسيلة تعبير مباشرة نستطيع من خلالها أن نعبر عن مشكلاتنا المشتركة فهي في نظري وسيلة تتميّز عن غيرها من وسائل التعبير بكونها تجسّد
معادل موضوعي غايته إثارة فكرة أو مجموعة من الأفكار في أذهان القرّاء ولتتبلور معرفتنا بها سعيا الى الاسهام في حلها وهنا نكون امام إجابة ذات فرعين
أولا : نحن نكتب في أغلب الأحيان لنشد الانتباه الى وجود مشكلة ما , وكثيرا ما تكون تلك المشكلة , مشكلة واقعية تتطلب البحث والاسهام في حلها
وثانيا : لأن للكتابة دور تقدميّ في مواكبة الحياة لدى المجتمعات وبناء تطورها على قاعدة المعرفة أولا وما من شك ّ أن من أهمّ وسائلها وشروطها أن نمارس القراءة والكتابة كمقوّم هام في حياتنا شأنه شأن الضروريات
الحياتية الاخرى . لهذه الأسباب أكتب أحيانا ..وفي كثير من الأحيان أكتفي بالقراءة وأكون عاجزة عن الكتابة .
المفضلات